مقالات عامة

سوريا واختبار القوة

د.عبد الله السويجي

الحروب فرصة لاختبار الأسلحة الجديدة والمعدات المتطورة، وتلجأ بعض الدول إلى افتعال حروب لتنفيذ تلك المهمة، والسلاح المجرّب في الحروب يختلف عن ذاك المجرّب في البحر أو البر على أهداف افتراضية للعدو، لأن المصداقية ترتفع، وقيمة السلاح ترتفع في المعارض العسكرية. وقد جرّبت «إسرائيل» قنابل عنقودية في حربها على لبنان في العام 1982، إضافة إلى أسلحة أخرى في العام 2006، وجرّبت الولايات المتحدة قنابلها الذرية في حربها مع اليابان حين قصفت مدينة هيروشيما، ومنذ سنوات سبع، والولايات المتحدة وجمهورية روسيا تجرّبان أسلحة فتّاكة في سوريا، إضافة إلى أنظمة الرصد والاتصال والصواريخ العابرة، والضحيّة غالباً ما تكون ذاك الإنسان المدني الفقير أو الآمن في بيته في المدينة أو القرية، أو تلك المنشأة العسكرية أو المدنية. فمنطق المصانع العسكرية يختلف عن منطق المصانع المدنيّة، فالبشر مجرد أرقام وفئران تجارب، وبالقدر الذي تنجح فيه اختبارات الأسلحة، بالقدر الذي يموت فيه بشر ويُدمّر البناء والحجر.
روسيا قامت مؤخرا بعرض أنواع جديدة من الصواريخ رداً على الدرع الصاروخية الأمريكية، ومن بينها صواريخ عابرة للقارات وأخرى كروز موجهة، ولم يفته التصريح بأن أي هجوم نووي على حلفائها سيعتبره هجوماً عليها، ويستدعي رداً فورياً.
وكان نائب وزير الدفاع الروسي قد صرّح الأسبوع الماضي بأن بلاده اختبرت أكثر من 600 نوع من السلاح في سوريا، والإقبال على شرائها عال جداً، وبذلك يكون أحد أهداف التدخل في سوريا قد تحقق.
الولايات المتحدة شعرت بالاستفزاز، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، إن مباهاة الرئيس الروسي بوتين بالصواريخ الجديدة في ترسانة بلاده النووية، عمل غير مسؤول، واعتبرته دليلاً على انتهاك موسكو معاهدات الحد من الأسلحة.
وكان زعيم الكرملين قد عرض صوراً وبيانات تظهر صواريخ تضرب الولايات المتحدة، مما شكل استفزازاً كبيراً للبيت الأبيض، رغم أن المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية اعتبرت ذاك الاستعراض مجرد لعبة انتخابية، ونفت أن تكون مراجعة السياسة النووية الأمريكية دفعت روسيا إلى تطوير الأسلحة، مضيفة أنها تعتقد أن الولايات المتحدة متمسكة بالتزاماتها التعاهدية، ويبدو أنها ردت على ذلك بموافقة الولايات المتحدة رسمياً على بيع أوكرانيا 210 صواريخ «جافلين» المضادة للدبابات، وهو بالتأكيد سيثير غضب موسكو.
الساحة السورية أصبحت ميدان اختبار للسياسات العالمية، وأي سلوك عسكري أو تصريح مدني سيكون مؤشراً على مستوى العلاقات بين الدول، وإعلان الرئيس الروسي عن الأسلحة الجديدة والصواريخ السريعة التي لا يلتقطها الرادار، موجّه للولايات المتحدة وحلفائها، لاسيما مع تلويحها بضرب سوريا إذا ما تأكد استخدم جيش النظام للسلاح الكيماوي، وهذا يعني التحرّش بهيبة روسيا في سوريا. ولم يتوقف الأمر عند واشنطن، إذ أعلنت الرئاسة الفرنسية قبل يومين أن الرئيسين الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمريكي ترامب تعهدا بأنهما لن «يتسامحا مع الإفلات من العقاب» في أي استخدام آخر لأسلحة كيميائية في سوريا، وقال مكتب ماكرون في بيان، إن الرئيس الفرنسي «شدّد على أنه وفي حال إثبات استخدام أسلحة كيميائية أدت إلى مقتل مدنيين، فسيكون هناك رد حازم بالتنسيق مع حلفائنا الأمريكيين». والأمر ذاته عبّر عنه وزير الخارجية البريطاني حين قال إن بلاده مستعدة للالتحاق بالولايات المتحدة وتوجيه ضربات لسوريا، إذا ما تأكد استخدام الكلورين ضد المدنيين.
وبالعودة إلى الفرق بين المنطق العسكري والمنطق المدني، ينسحب قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار في الغوطة الشرقية، الذي سيحمي المدنيين من الموت، لكنه أيضاً سيحمي المسلحين المصنّفين بالإرهابيين، ومن المؤكد أن أعضاء مجلس الأمن يعلمون هذه الحقيقة المرّة، وإذا استمرت هذه السياسة، فإن الحرب في سوريا ستستمر إلى أجل غير مُسمّى، لأنه بكل بساطة، لم يتم حل الخلافات الدولية، ولم يهدأ الصراع الشرقي والغربي، ولم تهدأ الحرب الباردة بعد، وبالتالي، فإن سوريا، بموقعها الجغرافي، وجوارها مع «إسرائيل»، وتحالفها مع إيران و«حزب الله»، ستكون المكان المناسب جداً لاستمرار الحرب بالوكالة.
اللعبة خرجت من بين أيدي العرب، حتى النظام السوري لم يعد لاعباً رئيسياً في النزاع العالمي، شأنه شأن النظام الليبي (الموزّع على ثلاث حكومات). ويبدو أن الواقع الدولي آخذ في التأزم، ولن نندهش إذا استيقظنا ذات يوم على طائرات فرنسية وأمريكية وبريطانية تدك مواقع الجيش السوري بحجة (الكلورين)، وعندئذٍ ستكون الاحتمالات مفتوحة لحرب عالمية طاحنة في سوريا، قد تمتد وقد تبقى محدودة، طبقاً لمصالح الدول.

suwaiji@emirates.net.ae

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى