مقالات عامة

أمريكا بين الإرهاب المحلي والوافد

عاصم عبدالخالق

كما أن انتشار الأخطاء الشائعة لا يعني أنها أصبحت صواباً، فإن الانطباعات السائدة لا تعكس الحقيقة بالضرورة. المثال الأوضح على ذلك هو التهديد الإرهابي الذي يواجهه الغرب، ويفترض دائماً أن مصدره الوحيد هو التنظيمات الإسلامية الوافدة بأفكارها المتطرفة، ونزوعها إلى العنف مثل «داعش» أو «القاعدة». هذا الانطباع الشائع لا يقول الحقيقة كاملة، وهي أنه إذا كانت «داعش» وأخواتها تمثل تهديداً إرهابياً للغرب، فإن الجماعات اليمينية المتطرفة، وهي غربية المنشأ، تعد المصدر الأكبر للتهديد الإرهابي في المجتمعات الغربية. وضحاياها وهجماتها أكثر عدداً من ضحايا وهجمات التنظيمات الإسلامية، وفقاً للإحصائيات الموثقة.
ولكن، لماذا تثير «داعش» وغيرها من التنظيمات المحسوبة زوراً على الإسلام خوف المواطن الأمريكي، بينما لا تثيره التنظيمات اليمينية المحلية؟ الإجابة يقدمها الخبير الاستراتيجي في قضايا الأمن بي دبليو سيفجرد الباحث في مؤسسة «نيو أمريكا»، الذي يرى أن المبالغة في الخوف من الخطر الإرهابي الإسلامي الوافد ترجع إلى أن الإعلام يركز دائماً على هذا التهديد، وهوما أدى إلى وجود ارتباط تلازمي بين الإرهاب والإسلام المتطرف، استقر في الوعي الأمريكي.
على الجانب الآخر تلتزم وسائل الإعلام ذاتها الصمت المريب إزاء الخطر الإرهابي الحقيقي لجماعات اليمين المتطرف، وهو السبب الثاني الذي يرصده الخبير الأمريكي في محاولته تفسير الوعي الغائب بمكمن الخطر الإرهابي الحقيقي.
الحديث عن إرهاب اليمين محفوف بالمخاطر، ويتجنب السياسيون عادة التورط في مناقشته علناً حفاظاً على أصوات الناخبين؛ ذلك أن تلك التنظيمات اليمينية متغلغلة بقوة في نسيج المجتمع الأمريكي، وقد لا تحظى بدعم علني من السياسيين، ولكنها تلتقي مع الكثير منهم في الأفكار والأهداف النهائية.
وتتنوع هذه التنظيمات ما بين جماعات مناهضة للحكومة الفيدرالية ورافضة لتدخلها في الشؤون المحلية، وجماعات عنصرية تؤمن بتفوق العرق الأبيض، وأخرى نازية، وكلها تعادي الأقليات والديانات الأخرى بما فيها الإسلام واليهودية.
وخلال العقد الأخير، ارتكبت هذه التنظيمات المتطرفة 71% من جرائم القتل الإرهابية؛ أي الجرائم ذات الدوافع السياسية أو الفكرية أو الدينية. وتمثل هذه النسبة 274 جريمة من إجمالي 387 جريمة قتل إرهابية في أمريكا. أحدث هذه الجرائم كانت المذبحة التي ارتكبها أحد «مجانين» تفوق العرق الأبيض قبل أسابيع في مدرسة بفلوريدا، وراح ضحيتها 17 تلميذاً ومعلماً. في المقابل توضح الإحصائيات أن التنظيمات الإسلامية المتطرفة مثل «داعش» اقترفت 26% من الجرائم الإرهابية خلال نفس الفترة، بينما اعتبر اليسار المتطرف مسؤولاً عن 3% فقط من هذه الجرائم.
ما تجمع عليه مراكز الأبحاث المتخصصة هو أن خطر التنظيمات الإرهابية اليمينية يتصاعد بصورة تدعو إلى القلق، وقد بلغت هذه التنظيمات ذروة تمددها من حيث العدد والقوة والنفوذ خلال العقد الأخير. وفي العام الماضي فقط ارتكبت 95% من العمليات الإرهابية في أمريكا.
وهناك جرائم تتم ولا يلتفت إليها أحد لعدم سقوط قتلى، وتكشف التقارير عن مئات الهجمات ضد المنشآت والأفراد، ولا يتحدث عنها الإعلام.
وقد قفز المعدل السنوي لجرائم اليمين الإرهابية من 70 هجوماً في المتوسط خلال التسعينات من القرن الماضي إلى 300 هجوم سنوياً حالياً، وزاد المعدل بعد انتخاب الرئيس ترامب. ويرصد مركز الفقر الجنوبي المتخصص في قضايا التطرف 900 اعتداء يميني ضد الأقليات في أول عشرة أيام من انتخاب ترامب، بينما سجلت رابطة مناهضة التشهير زيادة بنحو 86% في الهجمات ضد اليهود والسامية في الأشهر الثلاثة الأولى من 2017.
الغريب في الأمر أن تلك التنظيمات اليمينية تستخدم نفس تكتيكات ووسائل الجماعات الإسلامية المتطرفة، سواء لشن الهجمات أو تجنيد الشباب واستخدام الدعاية عبر الإنترنت لإشاعة حالة من عدم التسامح، واستثمار المظالم الاجتماعية أو الفئوية، والتحريض على الحكومة. كل هذا تتم ترجمته في النهاية في صورة عنف يحصد ضحاياه من الأبرياء… إنه الإرهاب الذي لا دين له ولا هوية.

assemka15@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى