مقالات عامة

فوضى الصحراء الليبية

مفتاح شعيب

يشهد الجنوب الليبي توتراً كبيراً ينذر بتصعيد واسع النطاق قد تتقاتل فيه أغلب الأطراف المسلحة في البلاد. فقد دفع الجيش الوطني بقوات كبيرة في عملية لـ «فرض القانون»، كما تحاول حكومة الوفاق الوطني إجراء اتصالات للتهدئة، وإيجاد موطئ قدم في الأزمة ضمن صراعها المفتوح مع سلطات شرقي البلاد ممثلة في مجلس النواب والجيش.
بعض الأطراف تؤكد أن المواجهات المتقطعة منذ ثلاثة أسابيع سببها الصراع بين قبيلتي «أولاد سليمان» و«التبو» اللتين اقتتلتا في السنوات الماضية، وظلتا تعيشان في هدنة وفق العرف القبلي، بسبب غياب أي سلطة للدولة والنظام. ولكن المعطيات الجديدة تشير هذه المرة إلى توتر أكبر من صراع قبلي في ظل اتساع نفوذ الميليشيات والجماعات الإرهابية وعصابات التهريب المختلفة والمرتزقة من جماعات التمرد في دارفور السوداني وتشاد. وقد تم تشكيل هذا المشهد المسلح بعدما أصبح الجنوب الليبي معزولاً عن بقية البلاد والعالم الخارجي، عندما انشغل الشمال الساحلي في صراعاته السياسية ومعاركه ضد التنظيمات الإرهابية في سرت وبنغازي. ومنذ فترة طويلة كانت المؤشرات تؤكد أن بؤرة خطرة من الإرهابيين والمهربين تتشكل في الصحراء الليبية. كما كانت المعلومات الأمنية والاستخبارية نادرة للغاية. ولذلك ليس مفاجئاً أن تنفجر الأوضاع في هذا الظرف، بعدما اكتملت الشروط والأسباب.
المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، دعا إلى معالجة الوضع بسرعة، محذراً من أن التغاضي عنه سيقود إلى انفصال إقليم فزان، ثالث الأقاليم الليبية بعد طرابلس وبرقة. والأمر الخطير هو أن تسيطر على هذا الإقليم مجموعات مسلحة على ارتباط بتنظيم «داعش» الإرهابي الذي توارى مسلحوه نسبياً من شمال البلاد، لكن تقارير متطابقة أشارت إلى أنه يعيد تنظيم صفوفه في الواحات وبين كثبان الرمال. وما يعزز هذا الخوف المعلومات شبه المؤكدة عن نقل المئات وربما الآلاف من العناصر «الداعشية» من ساحات هزائمها في العراق وسوريا إلى أرض جديدة، وليس هناك بلد تتوفر فيه شروط الفوضى أكثر من ليبيا بعدما أصبحت نسياً منسيا، بالنسبة إلى المجتمع الدولي، على الرغم من المواقف الصادرة من حين إلى آخر الداعية إلى ضرورة تأمين هذه الدولة الشاسعة على الضفاف الجنوبية للمتوسط قبالة الساحل الأوروبي.
لا يبدو الوضع في الجنوب الليبي، وفي مدينة سبها تحديداً، مريحاً لأحد، فهو لن يساعد على إنجاح محاولات بسط الاستقرار في ليبيا، وسينسف المساعي لإجراء انتخابات تأمل الأمم المتحدة أن تجرى هذا العام. وعلى الصعيد الإقليمي، سيكون الأمر أشبه بالزلزال، وستصل ارتداداته إلى دول جنوب الصحراء الإفريقية الهشة أصلاً. كما سيسمح لفلول الجماعات الإرهابية بالتنظم وضرب الدول المجاورة. وبالنسبة إلى دول مثل مصر والسودان وتونس والجزائر، بدأت تشعر بالقلق البالغ، لأن استفحال الفلتان في الجنوب الليبي سينعكس سلباً عليها، لأنه سرعان ما ينتشر. أما الدول الأوروبية فلا همّ لديها الآن غير توقف قوارب المهاجرين غير الشرعيين. وربما تكون إثارة الفوضى في طرق التهريب الصحراوية أحد الحلول، وذلك بعدما تبين أن كل الخطط المعلنة لدعم ليبيا ليست إلا كلاماً للاستهلاك السياسي في المؤتمرات الدولية التي لم تثمر شيئاً غير مزيد من الخوف في طريق مجهول.

chouaibmeftah@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى