مطارق وسنادين
خيري منصور
هناك مَثل تقليدي طالما استحضره الناس للتعبير عن اشتباك الخطوط وتداخل الحابل بالنابل، هو كبة الصوف التي تعبث بها القطة، بحيث يتعذر على صاحبتها ربة البيت فك الاشتباك بين الخيوط.
والواقع العربي الآن بمختلف خيوط طوله وعرضه ومجمل تضاريسه، لم تعبث به قطة أو عدة قطط معاً، وقد يصعب على قطيع نمور أو أسود أن ينجز كل هذه الفوضى، فالحقائق تعددت تبعاً لتعدد الفضائيات، وكذلك المشاهد التي يتم انتقاؤها وأحياناً تلفيقها، لأن التطور التكنولوجي يتيح لمن يشاء أن يتلاعب بالصور.
وما يجري تمزيقه والعبث به ليس كبة من الصوف، بل هو مصير أمة تعيش بين مطرقة التحديات الخارجية وأطماع الأقوياء وبين سندان التخلف، والأرقام تكفي لأن تنوب عن أي كلام في هذا السياق، سواء تعلق الأمر بنسب الأمية المتفاقمة، أو تعدد اللاجئين والمشردين والجياع، إضافة إلى عدد الأطفال الذين ينذر حالهم بمستقبل غير آمن على الإطلاق.
والحكاية كلها تتلخص في أن هناك من البشر من تجاوزوا برغمانوس وميكافيلي بمراحل، وقسموا العالم إلى نعيم هو من حصتهم، وجحيم هو من نصيب الآخرين.
وحين يتغلب الخاص والشخصي على العام والوطني، يفسد كل شيء حتى الملح!
وحين تعبث القطط بكبة الصوف أو أي شيء آخر فإن الإصلاح ممكن، وإن تعذر فليس صعباً استبدال ما جرى تفكيكه وتفسيخه وخلط حابله بنابله، لكن حين يكون هذا العبث بواقع أمة، وبمصائر بشرية، وبأغلى ما أفرز الإنسان في تاريخه وهو الدم والدمع، فإن الخطر يكون قد بلغ أقصاه.
إن ما يتعدد ليس الحقيقة بل الزوايا التي ننظر إليها من خلالها، فمن يرى الجبل من قمته ليس كمن يراه من السفح أو من الوادي، لكن ما يحدث الآن هو خلط أوراق يصل حد الاختلاف على الفاعل والمفعول به وعلى الجار والمجرور، سواء كان ذلك في النحو أو السياسة.