إزاحة نتنياهو
د. محمد الصياد
يبدو أن حبل الإزاحة راح يقترب أكثر فأكثر من رقبة رئيس الحكومة «الإسرائيلية» بنيامين نتنياهو، الذي حكم لمدة حوالي 11 سنة (من عام 1996 إلى 1999 ومن 2009 حتى اليوم)، وهو ما عكس نفسه على الحالة النفسية المتوترة، التي راحت ترتسم على ملامح وجهه وعلى تصرفاته وتصريحاته، التي صار النزق والتبجح المنفلت العقال عنوانها، حتى ليبدو للمتابع وكأنه أمام شخص يأمر العالم فيطيعه من فوره. فبعد التحريات التي أجرتها الشرطة «الإسرائيلية» منذ يوليو/تموز 2016 بشأن مدى مخالفة نتنياهو للقوانين في قضيتين عُرفتا ب«القضية 1000» و«القضية 2000»، وتتعلقان بتورط نتنياهو وزوجته ونجله في عمليات تلقي رشاوى وتزوير وخيانة ثقة، فقد وجهت له اتهاماً رسمياً وطالبت بمحاكمته. وكان نتنياهو وأفراد عائلته إلى جانب المقربين منه ينتظرون على أحر من الجمر النتيجة التي سيخلص إليها المدعي العام: هل سوف يأخذ بتوصية الشرطة «الإسرائيلية» أم لا؟. فإذا بمحامية سوق المال «الإسرائيلية» رونيت تيروش، تقوم يوم الثلاثاء 27 فبراير/شباط 2018 بتضمين اسم نتنياهو ملف تحقيقاتها فيما صار يُعرف ب«القضية 3000» المتعلقة بصفقة تبادل مصالح سرية قدرتها بحوالي 290 مليون دولار، كان نصيب نتنياهو منها تغطية إعلامية إيجابية مجانية لنشاطاته. وهي أول مدعية عامة «إسرائيلية» تمهد لتوجيه الاتهام لنتنياهو. بيد أن الخطر الأكبر سوف يأتيه من صوب ما تُعرف ب«القضية 4000» المتعلقة بشراء وتوريد غواصات ألمانية للبحرية «الإسرائيلية»؛ لاستخدامها في إطلاق صواريخ تحمل رؤوساً نووية، والمتورط فيها وسطاء الصفقة الذين هم من المقربين لنتنياهو.
إنما السؤال: هل الملاحقات البوليسية والقضائية لنتنياهو سببها الفساد المالي والإداري فقط أم أن هنالك أسباباً أخرى تقف خلف هذا السيناريو، الذي يشبه سيناريو إطاحة رئيس الحكومة «الإسرائيلي» السابق إيهود أولمرت في سبتمبر/أيلول 2008 ومن ثم سجنه بعد إدانته في قضايا فساد؟
لو كان الأمر يتعلق فقط بالفساد، فإن الفساد منتشر داخل أوساط الطبقة السياسية في «إسرائيل»؛ وذلك بشهادة بعض «الإسرائيليين» الذين يكتبون من موقع التحذير من الأخطار المحدقة بالدولة اليهودية، أولاً كحاضنة انطلاق مركزية لمشروع الرأسمالية اليهودية التوسعي العالمي الطموح، وكبؤرة جيواستراتيجية لتجميع وشد عصب التجمعات اليهودية عبر العالم، وثانياً كمشروع استعماري غربي لن تفرط فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون. من بين هؤلاء أوري أفنيري عضو الكنيست السابق المحسوب على حمائم الطبقة السياسية «الإسرائيلية»، الذي نشر في 28 سبتمبر 2006 مقالاً على أحد المواقع الأمريكية سرد فيه قائمة بحالات الفساد داخل أوساط الساسة «الإسرائيليين» ابتداءً من الرئيس ومروراً برئيس الوزراء وليس انتهاء بكبار قادة الجيش. ومع أنه استبعد خطر صعود الفاشية في «إسرائيل»، إلا أن مخاوفه من صعود أفيغدور ليبرمان إلى رئاسة الحكومة ومطالبة الأخير بتغيير النظام السياسي من برلماني إلى رئاسي كي يكون هو الحاكم المطلق الذي وعد بطرد كل العرب من «إسرائيل»، تشي بأن الفاشية الفاقعة، هي على الأبواب. علماً بأن ذلك كان في 2006. وفي أغسطس/آب من العام الماضي كتب أفنيري مقالاً هاجم فيه بضراوة نتنياهو الفاسد – كما صدَّر به عنوان مقاله – معتبراً أن المحيطين به يدركون أن نهايته قد اقتربت، وأنهم في الوقت الذي يظهرون تعاطفهم المنافق معه، فإنهم يتلفتون يمنةً ويسرى باحثين عمن سيخلفه، وكل واحد منهم يتمنى في قرارة نفسه أن يكون هو خليفته.
الآن، هل تعكس التحقيقات مع نتنياهو بشأن قضايا الفساد، ما تتبجح به «إسرائيل» دائماً وأبداً بأنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط؟ أم أن عملية إغراقه وإرهاقه بكم هائل من الأوراق والتسجيلات والمقابلات المضنية، لها أبعاد أخرى تتجاوز ربما الإطار الذي يحاول الإعلام «الإسرائيلي» حصره داخله؟ كليشة الديمقراطية مطعون فيها سلفاً من الناحيتين القانونية والوقائعية؛ وذلك لأنها لا تستقيم مع حقيقة ماهيتها كآلية توافقت عليها عصابات جاء بها الاستعمار الغربي من وراء البحار واغتصبت أراضي الغير بالقوة الغاشمة وشردت شعبها وأذاقته ولا زالت تُذيقه شتى صنوف العذاب والتنكيل، وتعتمد العنصرية كمقاربة لاصطفاء اليهود من بين سائر الجماعات العرقية والإثنية الأخرى وخصهم بمعاملة تمييزية لا نظير لها إلا في نظام الفصل العنصري البائد في جنوب إفريقيا. أما أن تكون المطاردات هي جزء من تصفية الحسابات بين أفراد العصابة، كما يحدث غالباً، أو أن تكون المراكز النافذة في «إسرائيل» وخارجها قد توافقت على أن الرجل بات يشكل بنزعاته الحربية المغامرة هاجساً مقلقاً لها، فقررت إزاحته، فهذه أيضاً احتمالات ينقصها التقصي المعلوماتي الدقيق.
alsayyadm@yahoo.com