لماذا يرفض عباس «صفقة القرن»؟
حافظ البرغوثي
يبدو أن ما يسمي «صفقة القرن» لن تجد منصة عربية للإعلان عنها، أو ربما لا توجد صفقة بالمعنى الحرفي للكلمة، بل هناك سياسة أمريكية لدعم الإجراءات «الإسرائيلية» على الأرض، من حيث تهويد القدس وتكثيف الاستيطان من دون كوابح، وفي أي جزء من الأراضي الفلسطينية وصولاً إلى تنفيذ الرؤية اليمينية «الإسرائيلية» في عدم إقامة دولة فلسطينية بالمطلق، وتحويل المناطق التي تسيطر عليها السلطة الفلسطينية إلى ما يشبه المعازل، على شاكلة تلك التي أنشأها نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا للسود، أو التي أقامها الأمريكيون للهنود الحمر في بلادهم. فاليمين «الإسرائيلي» لا يقبل بأقل من محو فكرة إقامة دولة فلسطينية، وهو يعمل على الأرض لتطبيق القانون المدني «الإسرائيلي» على المستوطنين، وتطبيق القانون العسكري على الفلسطينيين مثلما كان وضع الفلسطينيين الذين صمدوا في بلادهم بعد النكبة، وخضعوا لنظام حكم عسكري سلبهم حرية التنقل ونهب أراضيهم لمنع التكاثر السكاني، واستمر هذا الوضع حتى عدوان سنة 1967.
من هنا نفهم المعارضة الشديدة من جانب الفلسطينيين لصفقة القرن المشؤومة؛ لأن مقدماتها حول الاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال تعني أنها أفكار يمينية «إسرائيلية»، تبنّاها جاريد كوشنر، وتم تلقينها للرئيس الأمريكي ترامب الذي يجهل السياسة الدولية، وحتى كوشنر نفسه يفتقر إلى المعرفة السياسية؛ لكنه كداعم للاستيطان يتبنى الخط اليميني المتطرف مثله مثل المبعوث جرينبلات والسفير الأمريكي في «تل أبيب» فريدمان، اللذين عاشا في المستوطنات.
ولعل أكثر الناس حدة في معارضة الصفقة هو الرئيس الفلسطيني أبومازن؛ لأنه تعرض للخداع من جانب الرئيس الأمريكي، فكل ما كانا يتفقان عليه ويتفاهمان عليه تبخر وكأنهما لم يلتقيا أبداً.
بداية شرح الرئيس الفلسطيني في لقائه الأول مع ترامب، تسلسل القضية الفلسطينية والعملية التفاوضية حتى الآن، ولمس تفهماً من ترامب للموقف الفلسطيني الداعي إلى إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران1967، وشرح له كل ملابسات المفاوضات وما جرى مع أيهود أو لمرت من تفاهمات، وصولاً إلى تنكر نتنياهو لها بعد سجن أو لمرت. وأوضح له كيف فشل لقاؤه الوحيد مع نتنياهو برعاية أمريكية، حيث طلب نتنياهو أن تبقى القوات «الإسرائيلية» في الأغوار وعلى الحدود لمدة أربعين سنة، واستفسر منه أبومازن: «تقول أربع سنوات أم أربعين! فقال أربعين فمد أبو مازن يده لنتنياهو مودعاً، ولم يلتقيا بعد ذلك. وعندما سأله ترامب ما هو الحل للحدود، قال له نشر قوات دولية أو أمريكية وليس «إسرائيلية»، وأعجبت الفكرة ترامب، وسأل مستشاره للأمن القومي مكماستر، كم عدد قواتنا في المنطقة؟ فأجابه، فقال ترامب لا حاجة لوجودنا في أفغانستان، فلننقلهم إلى الحدود لاحقاً.
ما أغاظ أبومازن، هو أن ترامب كان يستفسر عن تفاصيل، مثل لماذا لا تعترفون ب«إسرائيل» دولة يهودية، فكان جواب أبومازن، أن الرئيس الأمريكي ترومان عندما جلبوا له وثيقة الاعتراف ب«إسرائيل » لاحظ كلمة دولة يهودية فشطبها وكتب بدلاً منها: «إسرائيل».
فمن رفض يهودية هذه الدولة هو ترومان أولاً، وليس نحن الآن. ثم أردف أبومازن كيف نعترف بيهودية «إسرائيل»، وهي تضم ربع السكان من العرب المسيحيين والمسلمين، إضافة إلى ثلاثة في المئة من المهاجرين المسيحيين من دول الاتحاد السوفييتي السابق. اقتنع ترامب بما سمع في اجتماعه على فترتين في البيت الأبيض، وفي بيت لحم مع الرئيس الفلسطيني، وظن أبومازن أنه كسب عقل الرئيس ترامب، لكن يبدو أن عقل ترامب كان مرناً، بحيث كان يجري غسل دماغه بعد مغادرة أبومازن من قبل مستشاريه اليهود، كما حدث مع أبومازن في أو ل لقاء له مع الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، عندما شرح له بالخرائط كيف أن الاستيطان يشكل أكبر عقبة أمام السلام، فخرج بوش ليعلن أن الاستيطان يقطع أو صال الأرض الفلسطينية، ما أثار حفيظة الاحتلال الذي جند كل طاقته لشطب هذا الوصف، ومع ذلك ظلت إدارة بوش تعارض الاستيطان، وأعطت تعهدات مكتوبة للفلسطينيين بأن الدولة الفلسطينية، يجب أن تقام على حدود الرابع من حزيران 1967وعاصمتها القدس الشرقية، مع تبادل طفيف في الأراضي.
من هنا يمكن أن نفهم موقف الرئيس الفلسطيني من مبعوثي ترامب الثلاثة، وهم صهره وجرينبلات والسفير فريدمان.
الموقف الفلسطيني كما شرحه أبومازن في المجلس الثوري لفتح، هو رؤيته التي طرحها في مجلس الأمن؛ أي عقد مؤتمر دولي للسلام تشارك فيه كل الدول المؤثرة، من دون أن تكون واشنطن الوسيط المعتمد بعد انحيازها للاحتلال. وهناك تأكيدات عربية للجانب الفلسطيني برفض أية صفقة، لا تتضمن أسس مبادرة السلام العربية دون تعديل.
hafezbargo@hotmail.com