مقالات عامة

أَََََعْلَمة الثقافة!

خيري منصور

ما أعنيه بالأَعْلَمة ليس له صلة بالعولمة ومشتقاتها، إنه فرض أدبيات الإعلام ومعجمه وموسميته على الثقافة، بدلاً من أن يحدث العكس وهو تثقيف الإعلام وتحريره من فقه الهجاء والترصد وتصفية الحسابات السياسية.
وما جرى للثقافة في العالم كله وليس في العالم العربي فقط هو التسطيح والاختزال بحجة أن لكل عصر إيقاعاته، وإيقاع عصرنا متسارع ولا يحتمل صرف الجهد للتأمل واستقراء الواقع عمودياً بدلاً من قراءته أفقياً!
ويبدو أن الأمر اختلط على البعض فصدقوا ما يشاع عن عدم وجود الفراغ الكافي لقراءة روايات طويلة من طراز «الحرب والسلام» لتولستوي، أو «الزمن الضائع» لمارسيل بروست أو «الأخوة كرموزوف» لديستويفسكي أو ثلاثية نجيب محفوظ!
لهذا حاولت بعض دور النشر التجارية تلخيص مئة رواية هي الأكثر شهرة في القرنين الماضيين وعهد بهذه المهمة الاختزالية لعدد من المحترفين، وسرعان ما اتضح أن هذا الاختزال قد يحذف أهم ما في النصوص الإبداعية، وهناك من قالوا إن الأدب ليس شكلاً ومضموناً فقط، إنه النخاع كما هي الحال بالنسبة للإنسان.
وما قيل عن ضيق الوقت وانعدام مساحات من الفراغ تتيح القراءة والتأمل تدحضه عدة حقائق منها ما ينفقه الناس من مال ووقت للثرثرة عبر الهواتف أو قضاء ساعات في التسوق ومراقبة المارة على الأرصفة، أو في المحال التجارية، وفي مجالس النميمة!
وما أدت إليه أعلمة الثقافة هو نزع الدسم من مرجعيات وأعمال خالدة، لو كانت تقبل الاختصار والحذف لكان أول من فعل ذلك مؤلفوها، خصوصاً وإن منها أعمالاً تخلو من الثرثرة ولكل مفردة في سياقاتها موقع لا يقبل الاستبدال!
ولو عُكست المسألة وسعى المتخصصون في أعلمة الثقافة إلى تثقيف الإعلام، لكانت الفائدة مزدوجة، لكن ما حدث هو فقدان المشيتين كما حدث للغراب الذي حاول تقليد الحمامة فلا نعيقاً أبقى ولا هديلاً أتقن!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى