عقوبة مصادرة المال
د. عارف الشيخ
قال لي أحدهم : إن فلاناً المسكين يعيش مهاجراً منذ سنوات، لأنه أجبر على ترك بلده، بعد أن صادرت دولته أمواله، وهو الآن كما تراه يعيش على مساعدات الناس له.
قلت له: هل تعرف ماذا تعني مصادرة مال الإنسان؟
قال: لا، قلت :تعني الظلم والظلم ظلمات يوم القيامة.
قال: ولكنهم يقولون إن الدولة عاقبته بذلك على شيء، قلت: وهل عاقبته بالحلال أم الحرام: قال: لا أدري.
قلت: لا بد للدولة أن يكون لها سبب شرعي، إذا أرادت تجريد إنسان من ماله، فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي عرف بشدته في محاسبة ولاته ورجالاته، قال لأبي هريرة رضي الله عنه عندما جاء إلى المدينة ومعه عشرة آلاف درهم، وكان واليه على البحرين: من أين لك هذا، هل استأثرت به وهو أموال المسلمين؟ قال أبوهريرة: خيل نتجت، وغلة رقيق، وأعطية تتابعت.
يقال إن عمر عزله لفترة حتى يتحقق من أن تلك الأموال جمعها بحق، وبعد أن ثبتت له نزاهة أبي هريرة كأنه ازداد ثقة به فأراده عمر لعمل أكبر، فقال له عمر ذات يوم: أريدك أميراً على بلد كذا، لكن أبا هريرة اعتذر فقال عمر: أتكره العمل، وقد طلبه من هو خير منك؟ طلبه يوسف نبي الله عليه السلام عندما قال: اجعلني على خزائن الأرض إني حفظ عليم. قال أبو هريرة: ذلك يا أمير المؤمنين نبي وابن نبي، أما أنا فأبوهريرة ابن أميمة، أخشى أن أقول بغير علم، وأن يضرب ظهري، وأن ينزع مالي ويشتم عرضي.
نعم.. لذلك فإن جمهور الفقهاء قالوا: لا يجوز للدولة أو لأي إنسان أخذ مال المسلم أو إتلافه أو مصادرته بالبيع أو بغيره، ما لم يكن هناك سبب شرعي، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ليس في المال حق سوى الزكاة.
بعض فقهاء الأحناف قالوا بجواز مصادرة الأموال من باب التعزير قال ابن عابدين رحمه الله في حاشيته ج٣ ص ١٧٨: أرى أن يأخذها الحاكم فيمسكها، فإن يئس من توبته يصرفها على ما يراه، وقال: والحاصل أن المذهب عدم التعزير بأخذ المال.
لكن ذكر الطرطوسي كما ورد في «رد المحتار» ج٤ ص ٢٨٥ ما معناه أن الحاكم عندما يولي عماله في دوائره، ثم يجد منهم خيانة أو تصرفاً في غير محله، جاز له أن يعزلهم، ويصادر أموالهم التي اكتسبوها بغير وجه حق شرعي، وقال بالعقوبة المالية أيضاً ابن تيمية وابن القيم وبعض المالكية.
أقول: وما ورد عن عمر بن الخطاب مع أبي هريرة من محاسبة، يكفي كمبرر شرعي لمصادرة الدولة أموال من يثبت اعتداؤهم على حقوق الآخرين.
وينبغي أن نفرق بين مصادرة المال الذي اكتسب من غير حله وبين ما يجمعه الموظف أو المسؤول من كده وعرقه ، فالمال المأخوذ ممن أخذه بدون مبرر شرعي يعتبر من المال العام الذي تؤتمن عليه الدولة.
وكذلك إذا أؤتمن موظف لدى شركة خاصة، فإن ما يأخذه خيانة أو من غير مبرر شرعي، تجوز لصاحب الشركة مصادرته من غير رضاه.