شعرة بيضاء
محمد سعيد القبيسي
كعادتنا دائماً نجلس مع الأصدقاء في يومنا الأسبوعي، الذي حددناه منذ زمن، نتبادل الأحاديث، ونخرج في نزهات ورحلات..، وفي ذلك اليوم، وبعدما ذهب الجميع بقيت مع أحد الأصدقاء المقربين لوحدنا، فوجدته شارد الذهن يفكر، وعندما سألته إذا كان هناك ما يشغل باله، رد عليَّّ وكأنه يهذي في أحلامه (شعرة بيضاء)!.
قلت له ما الجديد؟! فلقد كسا البياض نصف رؤوسنا، فرد: لا، لقد رأيت في رأس زوجتي شعرة بيضاء، تلك الليلة التي جلست فيها مع عائلتي ورفيقة دربي ومن شاركتني أفراحي وأتراحي، وسارت معي خطوة بخطوة نُعَبِّدُ طريق الحياة؛ في تأسيس أسرة تغمرها السعادة بابتسامة طفل، وتحملت عني العديد من المسؤوليات في رعاية الأبناء وتوجيههم؛
وهي تسهر على صحتهم، وتُعد لهم طعامهم وملابسهم وتزرع الأمل، لقد كانت كريمة في عطائها، وأماً بكل ما تحمله الكلمة من حنان ورأفة ومحبة ورعاية، وخوف واطمئنان..؛ لذلك كنت دائماً ألجأ إليها في سائر أفكاري واستشاراتي، وكنت أجد عندها الرأي والمعونة والصبر والإنارة..
لا أدري كيف لاحظت تلك الشعرة البيضاء تشتعل في رأسها، فأخذني الفكر بشريط سينمائي طويل، يسرد قصة ود طويلة مرت بنا في أحداث بعضها حلو، وبعضها مر، وكيف كنا نتخطى تلك الحواجز، التي طرأت في حياتنا، رواية تتسابق أحداثها في صور سيناريوهات تتبدل وتتغير وفق الزمان والمكان، لقد حلقت في أجواء متعددة الطبقات، مرت السنون مسرعة؛ لكن مدار مسارنا كان يقف في محطات كنا نسعد في جمالها أحياناً، وأخرى خطرة كنا نخشى منها بقلق مروع؛ لكن بفضل الله، وما أحمله وشريكتي من إيمان ويقين بأن الله لن يخذلنا؛ طالما حسنت النوايا، واطمأن القلب، وقد ساهم الصدق، وأكدت الصراحة بيننا؛ لنزين حياتنا بأمانة الكلمة، وشرف الوفاء، وثقة عامرة تعدو بنا من محطة إلى أخرى باجتهاد كل منا إلى مستقبل أسرتنا، ونحمل في طياتنا الحب الحقيقي الواقعي العملي، وليس الوهم والتمثيل والتظاهر.
لقد تأثرت بهذا الكلام الجميل، الذي وجد في تلك الشعرة البيضاء ما قدمته تلك الزوجة والأم الحنون له ولأبنائه، فلننظر إلى زوجاتنا ورفيقات دربنا نظرة الممتن لها؛ لما تقدمه من جهود حتى وإن كانت بسيطة، فمجرد وجودها في البيت كفيل بأن ينظم حياة كل فرد يعيش فيه، وهل فكرنا لحظة، كيف يكون البيت إذا غاب عنه الدفء والحنان؟!، إنه شاغر لا حياة فيه، أين العاطفة والأم؟
إنها مسيرة حياة وعطاء، مسيرة أُلفة ومحبة وهناء، نظرة إيمانية صرفة في رباط الزوجية، الذي باركه الله في عليائه، (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا).
ما أجمل وأبهى السكن عندما يمتلئ حباً ومودة وإخلاصاً ووفاء.
abudhabi@email.com