مقالات عامة

مشروع القدس الكبرى

كمال بالهادي

منذ إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترومب قراره الاعتراف بالقدس عاصمة ل«إسرائيل»، والخطوات حثيثة في فلسطين المحتلة من أجل استكمال عملية تهويد المدينة المقدسة، وضمها بالكامل لدولة الاحتلال. وحتى يكون هذا المشروع محققاً على أرض الواقع، لا بد من جملة من الإجراءات التي اتخذتها سلطات الاحتلال، لتنفيذ ما تسميه مشروع «القدس الكبرى».
في عام 1971، قدم عضو الكنيست شموئيل نامير مشروعاً باسم: القدس الكبرى، ويتضمن مدينة القدس المحتلة في حدودها البلدية الموسعة، إلى جانب ثلاث مدن وسبع وعشرين قرية في الضفة الغربية، هي مدن بيت لحم وبيت ساحور، وبيت جالا والقرى المحيطة به، ويبدو أنّ الوقت قد حان الآن لتنفيذ هذا المشروع، خاصة بعد تأييد الولايات المتحدة غير المشروط لفكرة القدس الكبرى.
فقد صرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض بأن الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب، لا تعارض مشروع القانون «الإسرائيلي» المسمى بالقدس الكبرى.
توحيد مدينة القدس بشطريها الغربي والشرقي، وضمّها بالكامل للسيادة «الإسرائيلية»، والعمل على زيادة عدد المستوطنين في المدينة القديمة، ومحاصرة أبناء البلد ودفعهم للمغادرة في مرحلة أولى، ومنع عودة من غادرها في السابق، ثم التوسع نحو ضمّ مناطق من الضفة الغربية، والاستيلاء على المقدسات الإسلامية ومنها الحرم الإبراهيمي، الذي يمثل رابع مكان مقدس لدى المسلمين.
وهذا يعني نظرياً إلغاء عملية السلام من طرف واحد، وإلغاء حل الدولتين. ومشروع بهذه الخطورة، يعني مواجهة حروب شاملة في المنطقة لن يكون بالإمكان السيطرة عليها، لذلك جاءت المناورة الأخيرة «كوبرا العرعر»، التي تعد أضخم مناورة عسكرية بين الولايات المتحدة و«إسرائيل»، خطوة ذات دلالات عميقة لما يمكن أن يحدث في المستقبل.
التقارير الإعلامية تشير إلى أنّ حكومة الاحتلال ماضية في جعل القدس «يهودية» من خلال تغيير نمطها الديموغرافي، وهناك خطوات حثيثة لإبعاد المقدسيين عن المدينة، حيث تتالت أحكام الإبعاد أو الحبس المنزلي، وتوسعت لتشمل مناطق خارج القدس، وبهذه السياسة الحثيثة تنخفض نسبة الفلسطينيين في المدينة إلى حدود 20%، علماً بأن نسبتهم الآن تصل إلى 37% من سكان المدينة. ومع هذا كله هناك هجرات كبيرة من قِبل المستوطنين اليهود، فوفق الإحصائيات فإن القدس استقبلت خلال العام الماضي 10 آلاف ساكن يهودي جديد.
قانون القدس الموحدة الذي صادق عليه الكنيست في شهر يناير الماضي، هو ترجمة قانونية وواقعية لعملية التغيير الواقعي لمستقبل مدينة القدس، ولأجزاء واسعة من الضفة الغربية وسط صمت دولي وعربي واسع، لم يتجرأ حتى على مجرد استنكار خطوات إرساء مشروع القدس الكبرى، خاصة أن النوايا «الإسرائيلية» التي تتكشف يوماً بعد آخر تشير إلى أنّ مشروع القدس الكبرى قد لا يتوقف عند حدود القدس، أو الضفة، بل قد يتعداها إلى قطاع غزة وحتى إلى جنوبي لبنان.
هناك مساع «إسرائيلية» حثيثة من أجل استكمال المشروع وفرض سياسة الأمر الواقع، وهناك جملة عوامل تساهم في ترسيخ هذه الفكرة.
العامل الأهم هو أن حكومة نتنياهو تجد الدعم الكامل من قبل البيت الأبيض، وذلك من خلال تغيير وجهة الصراع، إلى صراع ديني بين اليهود «إسرائيل» والأيباك والمسيحيين الأنجيليين (مؤيدو ومنظرو السياسة الأمريكية منذ عهد بوش الابن) من جهة، وبين المسلمين من جهة أخرى. وهو ما يعني أنّ الصراع لم يعد مجرّد صراع على تطبيق اتفاقيات سلام لم تنفذ، بل إنّه يشكّل عودة إلى الصراع على مدينة القدس باعتبارها عنوان الصراع منذ الحروب الصليبية على الأقل.

belhedi18@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى