صورة أمام المطار
د. حسن مدن
وأنا خارج من مطار عاصمة دولة عربية كنت قد وصلتها للتو، في زيارة ليست بعيدة، متجهاً إلى سيارة الأجرة رفقة السائق الذي سيقلني إلى الفندق الذي سأسكن فيه، استوقفنا شاب، وتوجّه، متحدثاً باللهجة الدارجة لأهل ذلك البلد، نحو السائق مقدماً إليه هاتفه الجوّال، طالباً منه أن يلتقط له صورة تظهر مبنى المطار خلفه.
لم يعترض السائق. أمسك بهاتف الشاب، الذي بدوره التقط حقيبة سفري وأمسك بها بيده كأي مسافر، ووقف قبالة السائق حريصاً على إظهار ابتسامة راضية على محياه تظهره وهو في الصورة، سعيداً.
أعاد إليه السائق هاتفه بعد أن نفّذ له رغبته، فنظر في الصورة الملتقطة بسرعة، قبل أن يطلب من السائق التقاط صورة أخرى له بحيث تظهر مبنى المطار كاملاً وواضحاً، وتنحى خطوات للوراء، كي تكون المسافة كافية لتظهر اللقطة ما يريد.
بعد أن اطمأن للصورة الجديدة، أعاد حقيبتي ومضى لحال سبيله، فيما توجهنا، أنا والسائق نحو السيارة، ونحن نبتسم. قلت أنا: طريف هذا الشاب، فرّد السائق ضاحكاً: لم يبق على الأول من إبريل إلا القليل، لعله يجهز مقلباً لأصدقائه أو لعائلته، بإرسال الصورة لهم، يومها، زاعماً أنه قد سافر. إنها صورة استباقية.
في اليوم التالي حكيت لصديق من البلد الذي أتيته الحكاية، مضيفاً عليها ما قاله السائق عن كذبة إبريل، قال مبتسماً: لا. ليست كذبة إبريل، إنها الرغبة في السفر. كثيرون جداً ممن هم في عمر هذا الشاب يودون لو أنهم هاجروا بحثاً عن فرص للعمل ومن أجل تأمين حياة أفضل لأنفسهم ولعائلاتهم. عليك ألا تندهش فأحوال الشباب هنا خانقة وضاغطة عليهم، ولا لوم عليهم إن حلموا بالسفر، أو تخيّلوه ولو في صورة على «الموبايل».
بصورة من الصور، وربما دون أن يقصد، كان هذا الصديق يستخدم شيئاً من أدوات التحليل النفسي في وصف ما جرى، حين افترض أن رغبة دفينة في الرحيل تقف خلف رغبة الشاب في التقاط صورة له بالحقيبة أمام مبنى المطار.
قد يكون الموضوع أبسط من ذلك بالفعل. لعّل الشاب أرادها مجرد مزحة، أو «كذبة بيضاء» في الأول من إبريل القادم، لكن المؤكد أن صديقنا الذي رويت له الحكاية عبّر عن حقيقة مُرة، ومن واقع المعايشة الملموسة، لواقع الشباب لا في بلده وحده، وإنما في بلدان عربية كثيرة، هذا إن لم يكن في غالبية البلدان العربية.
لو أجري استطلاع محايد في أوساط الشبان العرب يُخَيرهم بين البقاء في أوطانهم، في ظل ما يعانونه من ضنك فيها، والهجرة إن تيسرت لهم أسبابها، كالحصول على فرصة للعمل، أو حتى على مجرد تأشيرة زيارة تأخذهم إلى حيث يريدون، لذهلنا من النسبة المهولة لمن سيختارون الهجرة لا البقاء.
madanbahrain@gmail.com