مقالات عامة

المسرح شقيق الشعر

يوسف أبولوز

كان المسرح، في الأصل، شعراً.. وشعراً كان فضاء العرض، وشعراً كانت اللغة من مدرّجات روما وأثينا القديمة إلى المدرّج الروماني في ربة عمون أو فيلادلفيا، وفي مدرّجات وخشبات ملأت العالم بعظمة الشعر، وعظمة الأسطورة.
المسرح شقيق الشعر.. وربما ابنه أو ظله، وعندما بدأ الشقيق ينأى ويبتعد عن شقيقه ظل المسرح «شعرياً» بمستويات عدة.
أولاً.. النص نفسه، فالكثير من خشبات العالم تأثثت بنصوص حوارية مشبعة بروح الشعر وأطيافه، أي أن الشعر يمثل في المسرح عن طريق اللغة، والصور والبلاغة والمجازات مع الاحتفاظ دائماً، بشخصية النص كونه نصاً مسرحياً في الأصل، وليس شعرياً..
ثانياً.. المخرج:.. فكلما احتفظ المخرج في داخله بشاعر غامض، متوارٍ، خجول.. كان العرض شعرياً أو غنائياً تتحول غنائيته إلى نشيد.
ثالثاً.. جسد الممثل:.. إنه الجسد المرن، الجسد الناطق، الرياضي، الحيوي، غير الجامد، غير الساكن، وكما لو أن جسد الممثل هو جسد الكلمة التي ينطقها الممثل وهو على الخشبة في مواجهة جمهور يتحول كله جماعياً على شكل جسد إصغائي، جسد جماعي متفاعل مع روح العرض، وروح الممثل وروح الكلمة.
رابعاً.. الإضاءة:.. إنها كتلة الضوء المنفردة البيضاء أو الزرقاء أو الحمراء أو أنها كتلة الضوء المركبة من أكثر من ضوء.. يحولها فنان الإضاءة إلى أقواس قزح، وأطياف وغيوم وموسيقى.. وهذه هي شعرية الضوء وشعرية شفافيته الطفولية.
خامساً:.. الموسيقى:.. إنها ماء العرض وسقايته وليونته إنها الوطن الخفيف الآخر للممثل الذي يتماهى مع الصوت؛ بل مع الأصوات المجدولة على الخشبة.. صوت زملائه هنا وهناك من يسار الخشبة إلى يمينها إلى عمقها. صوت الحوار المتبادل أو صوت اللغة.. نعم.. ثمة أصوات إلى جانب أصوات في العلبة الإيطالية، ولكن يبقى صوت الموسيقى هو الأم. صوت الأم، الموسيقى الأم، الموسيقى الروح.
سادساً:.. الديكور:.. إنه البيت، إنه مكان العائلة المسرحية، وأثاثها إنه اللمسة الذكية الأنثوية، الديكور هو الأناقة، هو التعبير الشعري الصامت، من القماش إلى الخشب إلى السرير إلى المقعد إلى الستارة إلى القنديل. إلى الشمعة وحتى إلى الحجر والتراب.. وكل عنصر من هذه العناصر العائلية البيتية له شعريته…
الشعر موجود في كل مفردات وعناصر العرض.. ليس بالضرورة أن يكون شعراً بلغة الفصاحة والكناية والإشارة، المهم أنه كائن حي يتحرك بغموض وخفة فوق الخشبة.

yabolouz@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى