الإرهاب كما نشرحه لأولادنا
محمد علي فرحات
معظم ضحايا تفجير الحفلة الموسيقية في مانشستر من جيل سلمان عبيدي، قاتِلُهُم- الضحية أيضاً، ولكن، لإعلام أسود ودعاة محدودي العلم والضمير ينقلون من تاريخ المسلمين سلبيات هي ابنة مرحلتها ويحضّون على تطبيقها في عالمنا اليوم، حيث تتداخل الثقافات وتندفع إلى الاعتراف المتبادل لتنصرف إلى مواجهة المعضلات المشتركة في الاقتصاد والبيئة.
منذ 11 أيلول (سبتمبر) يتلهّى معظم المسلمين بالاعتذاريات ويتبادلون تهم التطرُّف، فيما يهملون واجب تجفيف الإرهاب فكرياً وعاطفياً، بما في ذلك التفريق بين الإيمان العابر الزمان والتاريخ المحكوم بمراحله وظروفه وتعقيداته مثل أي تاريخ لأي جماعة دينية أخرى.
وإذا كان حكّام الدول ذات الغالبية الإسلامية يحاولون جاهدين حفظ مجتمعاتهم من التطرُّف الديني والإرهاب، فإن الأقليات المسلمة في العالم متروكة لأقدارها ولأئمة يأتون من بلاد بعيدة فلا يعرفون، إذا حسُنت النيات، كيفية مخاطبة مسلمين في بلاد غير المسلمين، وربما يركّزون على عوامل الانفصال ظنّاً منهم أنها تحفظ الإيمان، وبذلك يعمّقون مشاعر الانعزال ويعرقلون مسارات الاندماج، حتى يتفاقم الوضع مع كل عملية إرهابية ينفّذها قاتل أو انتحاري باسم المسلمين.
الشاعر والروائي الفرنسي المغربي الأصل الطاهر بن جلون لم يعتمد على جمعيات للمسلمين تتعهد أبناءهم في فرنسا ليحافظوا على إيمانهم فيما هم يندمجون في مجتمع يضم ثقافات وأدياناً متعددة، لأن هذه الجمعيات، إذا وُجدت، تعجز عن أداء مهمات صعبة مثل هذه. لذلك نشر عام 2016 كتابه «الإرهاب كما نشرحه لأولادنا» مخاطباً ابنته ومن هم في عمرها من أبناء وبنات المسلمين الفرنسيين. الكتاب الذي صدرت ترجمته العربية عن دار الساقي في بيروت، يتسم بالصراحة المتناهية لأن «الكذب والإنكار قد يتركان مضاعفات ويتسببان لهم بعُقد نفسية، إذ لا يمكن خداعهم، لأن المعلومة تصلهم أحياناً عبر قنوات يجهلها البالغون. ومن شأن تزيين العالم لهم ونفي خطورة الوقائع، إما بإنكارها وإما بتبطينها أو تغليفها، أن يعزلهم فعلاً عن الحياة الواقعية، بما فيها من جمالية وعنف على حد سواء. وسيكتشفون في نهاية المطاف أنهم مخدوعون ويطالبون بأن يطلعوا على حقيقة ما جرى».
يحاور بن جلون ابنته حول أحداث إرهابية في فرنسا ويتبادلان الرأي استناداً إلى حرية التساؤل لدى فتاة تعيش في مجتمع مفتوح على المعرفة وإلى مسؤولية أب ولد خارج فرنسا وعاش فيها ليصبح واحداً من أدبائها الكبار. وهما يتجاوزان الوقائع الفرنسية إلى تلك التي تحدث في العالم، خصوصاً في بلاد العرب والمسلمين، وما يرفع من شعارات هناك تستند إلى التاريخ وتلبس لبوس الشريعة. ويركّز الكاتب- الأب على مراهقة المنضوين في الجماعات الإرهابية الذين يبحثون عن معنى في أوهام «داعش». وكثيرون منهم يأتون من بلاد في أوروبا وأميركا وُلدوا فيها وعاشوا التناقضات بين البيت الأبوي المنعزل والمجتمع المفتوح على أسئلة بلا حدود.
لا يقدّم حوار الأب وابنته حلاً لمشكلة الإرهاب والفوضى التي تعيشها الجاليات الإسلامية في فرنسا، لكنه يفتح أسئلة ويطرح إجابات حول أوضاع أبناء هذه الجاليات ومآلاتهم في مجتمع بدأ يحذر منهم ويخافهم ويتساءل عن مستقبل العيش معهم في دولة واحدة يسودها قانون وضعي يلبي مصالح المواطنين.
وإذا كانت صيغة الطاهر بن جلون لا تفرض نفسها بالضرورة في بلد آخر غير فرنسا، فإن المثقفين المسلمين من مواطني دول في أوروبا وأميركا وأستراليا، ومن بينهم أحياناً رجال دين مقيمون لا مستوردون، مدعوون لكتابة ونشر مؤلفات حوارية حول الجيل الجديد من أبناء الأقليات الإسلامية، في كل بلد على حدة، وأسئلة عيشهم في مجتمعات يتهددها إرهاب يرفع شعار الإسلام.
ضحايا مانشستر والمجرمون- الضحايا من الشبان المسلمين المتطرفين في الغرب، يطرحون مجدداً مشكلة كانت مركز اهتمام قمة عربية إسلامية- أميركية عُقدت أخيراً في الرياض، كما تهتم بها هيئات دينية وسياسية واقتصادية وفكرية وفنية في غير مكان في العالم. لكن المسؤولية الأساس تقع على المسلمين أنفسهم ولا مجال للتنصل.
نقلاً عن “الحياة“