هواجس ستيفن هوكينج
د. حسن مدن
حين أصيب ستيفن هوكينج بمرضه المعروف ب«التصلب الجانبي الضموري»، وكان بالكاد في بداية العشرينات من عمره، قال الأطباء إنه لن يعيش أكثر من عامين إضافيين أو ثلاثة. أخطأ الأطباء التوقّع، فالرجل عاش أكثر من خمسين عاماً أخرى، حتى توفي أمس الأول عن 76 عاماً.
يوصف المرض الذي أصيب به بأنه «مرض عصبي انتكاسي يصيب الخلايا العصبية الحركية لدى الشخص البالغ»، وبسببه أصيب بالشلل، وأصبح لا يستطيع التكلّم إلا بواسطة جهاز حاسوب بصوت اصطناعي تحوّل إلى سمة مميزة له.
كما في سيرة العديد من النوابغ مثله، نقرأ أن مستوى تحصيله، وهو تلميذ في المدرسة، كان أقل من المتوسط، فلم يكن يجد نفسه في الحصص الدراسية، إنما في مجالات أخرى أقرب إلى نفسه، هو الذي عرف عنه منذ طفولته ميله إلى تفكيك ما يقع بين يديه من أجهزة، كالساعات أو أجهزة الراديو، لمعرفة ممّا تتكوّن، وكيف جرى تركيب مكوناتها.
في البداية التحق بجامعة إكسفورد، في المدينة نفسها التي نشأ فيها، ويقال إن عائلته فرَّت إليها هرباً من الغارات الجوية الألمانية على لندن في الحرب العالمية الثانية، لم يكن تخصص الرياضيات الذي يحبّه موجوداً في الجامعة، فدرس الفيزياء، قبل أن يحصل على الدكتوراه في علم الكون من جامعة كامبريدج.
ليس تحدي الإعاقة هو الأمر الوحيد اللافت في سيرة هذا الرجل، الذي وصف بأنه من أذكى الرجال في عصره، إن لم يكن الأذكى على الإطلاق، وإنما القدرات الهائلة لعقله، وهو أمر يُظهر، مجدداً، ما ينطوي عليه عقل الإنسان من إمكانات تبلغ حد الإعجاز. وبسبب قدراته هذه، وضع أبحاثه ونظرياته في علم الكون، وفي العلاقة بين الثقوب السوداء والديناميكا الحرارية، حيث أثبت نظرياً أن الثقوب السوداء تصدر إشعاعاً على عكس كل النظريات المطروحة آنذاك، وسمي هذا الإشعاع باسمه «إشعاع هوكينج». ونشر كتابه «تاريخ موجز للزمن» في عام 1988، الذي بيعت منه أكثر من عشرة ملايين نسخة.
أكثر ما جذب الانتباه إليه كان «نظرية كل شيء»، التي يرجح فيها أن الكون يتطور وفقاً لقوانين محددة، هي نفسها التي يمكن أن تقدم أجوبة للأسئلة المتعلقة بنشوء الكون وإلى أين يتجه، وإن كان له نهاية، وكيف سينتهي.
كعالِمٍ حقيقي تميّز هوكينج بحسٍ أخلاقي عالٍ، فحذَّر من أن استمرار البشر في تعاملهم الوحشي مع البيئة من حولهم، سيقود الكوكب إلى كارثة لن تكون بعيدة، كما أبدى خشيته من فناء الحياة على الأرض نتيجة حرب نووية أو فيروس مستحدث.
واقعتان أخريان جديرتان بأن تقالا كدليل على حسه الأخلاقي هذا: مشاركته في التظاهرات ضد شن الحرب على العراق، ورفضه المشاركة في مؤتمر علمي في «إسرائيل» احتجاجاً على سياساتها.
madanbahrain@gmail.com