من كركوك إلى عفرين.. فتنة الانفصال
محمد نورالدين
انتهى الاستفتاء على الانفصال والاستقلال في كردستان العراق في 25 سبتمبر/أيلول الماضي إلى خيبة أمل كردية كبيرة.النتائج الرسمية للاستفتاء، التي كادت تكون بالإجماع لم تعنِ شيئاً على الأرض. فتحركت المؤسسات الدستورية والتشريعية والسياسية والعسكرية للدولة العراقية؛ لتطمر محاولات الانفصال، وكانت السيطرة على كركوك مربط خيل التحرك.
سار الأكراد في العراق في خط بياني تصاعدي على امتداد العقود الماضية. من الاعتراف بهويتهم في دستور 1958 وصولاً إلى الاعتراف بحكم ذاتي في عام 1970 ومن ثم هياكل غير رسمية لفيدرالية في التسعينات، فتتويج الجهود بإقامة فيدرالية في عام 2005. وهي لم تكن مجرد فيدرالية؛ حيث كانت عبارة عن دولة ضمن دولة ومشاركة في الدولة الأم والتوسع في مناطق «متنازع عليها». عاش الحلم الكردي عصره الذهبي بين 2005
و2017، وظهرت كردستان العراق، كما لو أنها جنّة اقتصادية وأمنية وسياحية للعراقيين وغير العراقيين.
انهارت أحلام ما كان لها أن تكون أفضل مما كان موجوداً، وخسر الأكراد جولة أساسية. لم تُنه الخسارة الحرب؛ لكن ما كان لها أن تنكسر لولا رهانات خاطئة وغبية على نجدة أمريكية و«إسرائيلية».
نفخ الأمريكيون و«الإسرائيليون» في نار الانفصال والفتنة، ومن ثم تركوا الأكراد تائهين يتلقون ضربة قاسية في مسار حلمهم الموعود.
بالكاد مرت أربعة أشهر على استفتاء الانفصال في العراق حتى واجه الأكراد كابوساً آخر؛ لكن هذه المرة في سوريا. كل شيء مختلف بين الحالة الكردية في سوريا، وتلك التي في العراق؛ لكن النتائج والعبر تكاد تكون نفسها.
بدأ الأكراد السوريون حركتهم بعد اندلاع الاضطرابات في سوريا عام 2011. كانت الفكرة الأولى حماية مناطق تواجدهم من خطر «داعش». فتسلحوا ونجحوا في ذلك؛ لكن كانت الولايات المتحدة تمتلك رأياً آخر؛ حيث قدّمت الدعم ل«قوات الحماية الكردية»، وشجعتها على التوسع خارج مناطقها الصافية. كان يمكن لهذا أن يكون توسيعاً لحزام الأمان حول المناطق ذات الغالبية الكردية، وكان مغرياً؛ لكنه بالضبط كان نقطة ضعف الأكراد؛ حيث إن العمل على ربط الكانتونات الكردية عبر مناطق غير كردية كان يخدم أهدافاً خارج السيطرة.
الفخ الأمريكي كان جاهزاً، واستخدام الأكراد أداة للتوسع نحو مناطق بعيدة عن الكانتونات لم يكن بحسب ما ظهر لاحقاً سوى لتحقيق هدف أمريكي؛ هو إيجاد موطئ قدم أمريكية في سوريا للمرة الأولى منذ تفكك الدولة العثمانية في إطار الصراع مع روسيا وفي إطار السيطرة على الثروات الطبيعية، ولا سيما في محيط دير الزور، كما العمل على تقسيم سوريا والمنطقة.
المفارقة هنا هي أن زعيمة «الإمبريالية» العالمية تقدم الدعم لرمز البروليتاريا الكردية في تركيا والمنطقة أي حزب العمال الكردستاني. كيف يمكن تفسير ذلك ؟ وكيف يمكن تفسير قبول الحزب الماركسي الكردي دعماً من الدولة العدو لقضايا التحرر العالمي، التي كانت شريكاً أساسياً في توجيه ضربة قاسية للشعب الكردي عندما خطفت زعيم الحزب عبدالله أوجلان عام 1999 وقدمته على طبق من ذهب للدولة التركية؟.
اليوم عفرين تلفظ أنفاسها الأخيرة، الخطة التي وضعتها تركيا تُنفّذ كما وضعت.
اليوم يحاصر الجيش التركي مدينة عفرين؛ ليعمل على إسقاطها لاحقاً؛ وليعمل على تطهير عرقي مؤكد للمنطقة لتخلو من الوجود الكردي ولإسكان سوريين غير أكراد هناك.. خسارة موجعة للأكراد.
لكن النتائج مشابهة مع كركوك؛ حيث دعم الأمريكيون الأكراد وعندما بدأت عملية عفرين صرّح الأمريكيون بأن عفرين لا تدخل ضمن نطاق عمليات التحالف.. تركت عفرين لقدرها. عفرين هي أوجلان الثاني. أمريكا تتخلى عن أحد أدواتها. أمريكا لا صديق لها ولا حليف؛ بل مستعدة للتخلي عن المتعاونين معها ولو كانوا أشداء مثل الأكراد.
عفرين درس آخر للأكراد بعد خطف أوجلان وبعد كركوك وبعد سكوت أمريكا على تدمير قرى وأحياء في مدن بكردستان تركيا. وكما تركت عفرين لقدرها سوف تترك منبج لقدرها، ولن يكون من المستبعد أن تترك أكراد شمال شرق الفرات لقدرهم.
لا يمكن أن يستمر الأكراد في تركيا وفي سوريا وفي العراق في هذا التخبط في سياساتهم الذي يجلب لهم الخسائر. والمطلوب منهم إعادة النظر في كل ما جرى ويجري منذ اتفاقية سيفر عام 1920 وحتى الآن..الأكراد يستحقون ما هو أفضل والمسؤولية تقع عليهم أولاً وأخيراً.