«إسرائيل».. تشريع العنصرية
صادق ناشر
مرة أخرى تثبت الأحداث التي نعيشها اليوم، أن العرب ما زالوا يعيشون في غفلة الصراع الدامي فيما بينهم، تاركين المجال ل«إسرائيل» تسرح وتمرح في فلسطين، عابثة بكل شيء، حيث لم تكتفِ بالقمع العسكري عبر البطش اليومي لأهاليها فحسب، بل تعمل على شرعنة وجودها ككيان سياسي وديني، وهو ما يهدف إليه مشروع القانون الذي أقره «الكنيست» الأربعاء الماضي في قراءة أولى، والذي يعرف ب«قانون القومية»، بعد أن وافقت لجنة التشريعات على طرحه للنقاش.
مشروع القانون الجديد يعرّف دولة الاحتلال باعتبارها «الدولة القومية لليهود فقط، وليس لليهود وجميع مواطنيها»، كما ظلت تتبجح بها الدولة العبرية منذ احتلالها للأراضي الفلسطينية قبل سبعة عقود، ويؤكد كذلك أن القدس بشطريها عاصمة «إسرائيل» الأبدية، وهو ما يتماشى والخطوات الأخيرة التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية بنقل سفارتها إلى القدس.
يلغي مشروع القانون الجديد اللغة العربية باعتبارها لغة رسمية ثانية في «إسرائيل»، معتبراً العبرية اللغة الرسمية لدولة الاحتلال، ويحث على استخدام السنة العبرية كتقويم رسمي للدولة وتتحدد بموجبه بقية المناسبات التي تحتفل بها دولة الاحتلال تحت مسميات مختلفة، إضافة إلى أن المشروع ينص على السماح بإقامة بلدات لليهود فقط.
ويمنح القانون الجديد المحكمة العليا ال«إسرائيلية» حق إيلاء الطابع اليهودي للدولة الأهمية الأولى في الأحكام التي تصدرها وليست القيم الديمقراطية والمساواة، خاصة عندما يحدث تناقض بينهما.
مناقشة المشروع والتصويت عليه في قراءة أولى في «الكنيست» دليل على تصميم من قبل قوات الاحتلال على المضي بتنفيذه خلال الفترة المقبلة، رغم المعارضة القوية التي تواجهه من قبل الفلسطينيين، أصحاب الحقوق المسلوبة. فالقائمة العربية المشتركة في «الكنيست» استنكرت طرح مشروع القانون، واعتبرته عنصرياً، وترى أن الهدف الواضح من وراء طرحه للنقاش، تمهيداً لإقراره، إقصاء الفلسطينيين وإلغاء علاقتهم التاريخية الوطنية والثقافية ببلادهم التي جرى احتلالها بتواطؤ دولي، لأن القانون يهدف في نهاية المطاف إلى تأسيس دولة عنصرية.
تعبث «إسرائيل» بتاريخ فلسطين وتعمل على تصنيع تاريخ جديد وتلغي الوجود العربي فيها، فيما العرب منشغلون في الحروب فيما بينهم، تاركين للدولة العبرية المجال للتحكم في مصير شعب جرى احتلال أرضه بالقوة وتسعى إلى التوسع أكثر وأكثر، وهو ما توفره لها الخلافات القائمة بين العرب والمسلمين في الوقت الحاضر، وأكبر الشواهد على ذلك ما أقدمت عليه مؤخراً الولايات المتحدة الأمريكية من خطوة تمثلت بقرار نقل سفارتها إلى القدس، فيما تسعى «إسرائيل» مع دول أخرى لاتخاذ الخطوة نفسها، خاصة وأن الأداء العربي والإسلامي في هذه القضية ما يزال ضعيفاً وليس على قدر الحدث.
في نهاية المطاف تحصل «إسرائيل» على ما تريد وبأقل الخسائر، والخطوات التي تقوم بها لتكريس وجودها بالحديد والنار يقابلها انحسار وضعف لليد العربية التي لم تعد قادرة على أن تطال أي عدو، بقدر ما صارت عاجزة عن حماية شعوبها وحدودها الجغرافية وحتى حقوقها التاريخية.
sadeqnasher8@gmail.com