لا حرب عالمية ثالثة… لكن
علي جرادات
بات واضحاً، (حسب مفكرين وسياسيين ومحللين وخبراء عالميين يُعتدّ برأيهم)، أن العالم تجاوز نظام القطب الواحد، ويسير نحو نظام متعدد الأقطاب، حتى، وإن كان الأول لم ينتهِ، والثاني لم يتبلور، كلياً بعد، بحسبان أن لا قديم يزول، ولا جديد يلد، دفعة واحدة. ولا عجب. فأمريكا لم تسلِّم، ولن تسلِّم بسهولة، بانتهاء حقبة حُكمها وتحكّمها بالعالم، فيما الدول الصاعدة المنافسة بقوة، أهمها وأقواها الصين وروسيا، تصر على بناء نظام دولي جديد يتسم بالتوازن.
هذا يعني أن العالم يمر بمحطة انتقالية تحمل في ثناياها(ككل محطة انتقالية في سياق تغيير نظام سائد)، صراعات حادة ومعقدة، وربما اندلاع حروب مدمرة، آخذين بعين الاعتبار أن لا الحروب الأهلية، ولا حروب الدول، ولا حتى الحروب الكونية بالوكالة، تندلع بقرار، فقط، إنما، أيضاً، وليس نادراً، بفعل خطأ في التقدير، أو سوء في الحسابات، أو تدحرج الأمور وخروجها على السيطرة.
أعلاه إطار عام لا غنى عنه لتفسير، وفهم، وسبر غور ما نشهده، في السنوات الأخيرة بعامة، والأسابيع الماضية بخاصة، من احتدام الصراع بين الدول «الغربية» بقيادة الولايات المتحدة، وروسيا والصين وحلفائهما. وكان لافتاً أن تُصِّنف الولايات المتحدة كلاً من روسيا والصين في عداد الدول الرجعية، وأن تضع المواجهة معهما، (وليس محاربة الإرهاب كما سائداً منذ «أحداث 11 سبتمبر 2001»)، على رأس أولويات استراتيجية أمنها القومي. وكان لافتاً أكثر أن الرد لم يأتِ، فقط، من الرئيس الروسي، في خطاب فارق غير مسبوق منذ انهيار الاتحاد السوفييتي، انتهاء حقبة «الحرب الباردة»، بل من الصين، أيضاً، وهي التي تتبنى سياسة خارجية هادئة، حيث أعلنت على لسان وزير خارجيتها، أنها «ليست مثالية، بل تثابر على بناء كل عوامل القوة اللازمة لاستمرار مبدأ التعاون لأجل المنفعة المتبادلة»، وأن «تحالفها مع روسيا شامل وبلا سقف».
إذاً، نحن إزاء تصعيد متبادل للصراع، ما يضع العالم على صفيح ساخن، ويعيد البشرية إلى مرحلة «الحرب الباردة»، وسباق التسلح، واستعراض عضلات القوة، وإطلاق التهديدات، وفرض العقوبات المتبادلة، واللجوء إلى سياسة حافة الهاوية، وهي ليست دائماً بلا عواقب وخيمة، علماً أن لدى طرَفيْ هذا الصراع من ترسانات أسلحة الدمار الشامل ما يكفي لتدمير العالم عشرات المرات.
لكن يبدو أن وجود هذا النوع من السلاح، كسلاح ردع متبادل، هو ما يجعل احتمال نشوب حرب عالمية ثالثة مستبعداً. ولعل في حرص الطرفين على إبقاء قنوات الاتصال بينهما مفتوحة، حتى وإن تدنت إلى درجة غير مسبوقة؛ وفي قبول واشنطن عقد قمة بين الرئيس الأمريكي ورئيس كوريا الشمالية، بحضور رئيس كوريا الجنوبية، ومباركة الصين، ما يدعم هذا الاستنتاج ويشي به.
لكن السؤال هو: هل يعني استبعاد نشوب حرب كونية بالمعنى المباشر ألا يستمر ويتصاعد القائم منها بالوكالة، منذ سبع سنوات، في منطقة «الشرق الأوسط»، وفي قلبها الوطن العربي تحديداً؟ كلا، لسببين أساسييْن: الأول، ضعف الحالة العربية، وانتقال صراع تدميرها الذاتي طوال سبع سنوات، من صراع فيها إلى صراع فيها وعليها، ثم إلى جزء من صراع أشمل، هو الصراع المشار إليه أعلاه، أي صراع الدول العظمى على مضمون النظام الدولي، وبالتالي، على النفوذ في العالم.
أما السبب الثاني، وهنا الأهم، فهو ابتلاء هذه المنطقة بوجود «إسرائيل»، بوصفها «دولة» احتلال مارقة، «ونزّازة حروب» دائمة، ما يجعلها واستقرار المنطقة وأمنها خطين متوازيين لا يلتقيان. كيف لا؟ وهي الداعية المثابرة، منذ سنوات، لجر حلفائها الغربيين «الثابتين»، والولايات المتحدة منها بالذات، لحرب جديدة لا تقوى وحدها عليها، والساعية، بلا كلل أو ملل، في السر والعلن، بدعم أمريكي أصبح مطلقاً وشاملاً، لتصفية القضية الفلسطينية من جميع جوانبها، ما يقتضي ضرب ما تبقى من عوامل القوة العربية، عبر تكرار تجربة، بل جريمة، تدمير العراق، وإن بسيناريو مختلف.
ali-jaradat@hotmail.com