احتقان عالمي
عبدالله السويجي
هناك احتقان عالمي خطر وتوتر كبير بين الدول الكبرى، يتكشفان عند وقوع حوادث بسيطة، ما يعني أن الحرب الباردة توقفت في العلن ولا تزال مستعرة في السر، وسباق التسلح قائم على قدم وساق، وتتسابق القوى الكبرى للتمركز والتموضع في أماكن استراتيجية في العالم ينذر بخطر كبير، وليس آخر التموضع في سوريا أو في ليبيا أو أوكرانيا.
لقد أدى حادث مقتل نيكولاي جلوشكوف الروسي الذي كان يقيم في بريطانيا والحليف السابق لرجل الأعمال الروسي الراحل بوريس بيريزوفسكي، وتسميم عميل روسي مزدوج سابق وابنته في انجلترا إلى إشعال حرب دبلوماسية كبيرة بين روسيا وبريطانيا، أدى إلى صدور قرار بريطاني بطرد 23 دبلوماسيّاً روسيّاً، على الرغم من تصريح الشرطة البريطانية أنها لا تملك أي دليل على علاقة موت جلوشكوف بحادث تسميم الجاسوس. وقد أدى هذا الإجراء إلى جعل وزير الخارجية الروسي يوم الجمعة الماضي التأكيد على أن موسكو ستقوم بطرد دبلوماسيين بريطانيين رداً على قرار لندن بطرد الدبلوماسيين الروس، واعتبر الكرملين أن اتهام وزير الخارجية البريطاني للرئيس الروسي شخصيّاً بالوقوف وراء الحادث أمراً لا يغتفر بموجب التقاليد الدبلوماسية.
لقد سبق كل ذلك إعلان بريطانيا بأنها ستنضم للولايات المتحدة في توجيه ضربات للنظام السوري إذا ما تم التأكد من استخدامه الكلورين ضد المسلحين والمدنيين في الغوطة الشرقية، وسبق ذلك إعلان الولايات المتحدة تنفيذ ضربات للجيش السوري على خلفية استخدام السلاح الكيماوي، ما جعل روسيا تهدد أيضاً بأنها سترد على أي هجوم يمس مصالحها أو مصالح حلفائها.
ويعتقد خبراء عسكريون أمريكيون أن موسكو جادة في تهديداتها بالرد على أي هجوم أمريكي، وقد تدربت مسبقاً على ضرب أهداف في الأراضي الأمريكية بالسلاح النووي. وكان الكرملين قد حذّر منذ أيام القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة بالرد على أي هجوم على سوريا ينتج عنه ضحايا روس. ويرى المراقبون أن التحذير هو ثمرة معلومات استخباراتية حصلت عليها روسيا تفيد بنية البنتاجون ضرب مبانٍ حكومية في قلب العاصمة دمشق، ويوجد فيها روس، وما يقلق خبراء الحلف الأطلسي والبنتاجون هو عمليات الطيران التي تقوم بها منذ سنة، القاذفات الاستراتيجية الروسية «تو 95» و«تو 160»، وهي الطائرات المكلفة بتصويب صواريخ نووية نحو الغرب، وقد صرح الجنرال المتقاعد جاري هريس بعد استعراض روسيا لأسلحتها المتطورة، أن الروس يتدربون على ضرب الولايات المتحدة، ويسيرون عمليات طيران على طول الحدود الأمريكية والكندية، ويحاكون عمليات ضرب بالصواريخ النووية من البر والجو وبواسطة غواصات نووية أهدافاً في التراب الأمريكي وبالخصوص العاصمة واشنطن.
الاحتقان الروسي الغربي لا يتوقف عند الولايات المتحدة أو بريطانيا، فأحدث تصريح لرئيس الأركان الفرنسي الجنرال فرنسوا لوكوانتر الجمعة الماضي كان ساخناً جداً، حيث قال إن فرنسا ستكون قادرة على أن تضرب «بشكل منفرد» في سوريا إذا تم تجاوز النظام السوري «الخط الأحمر» الذي حدده الرئيس ايمانويل ماكرون، أي الاستخدام المؤكد للأسلحة الكيميائية.
الولايات المتحدة، وبريطانيا، وفرنسا، تهدد بالقيام بعمليات في مسرح تلعب فيه روسيا وحلفاؤها دوراً مهمّاً للغاية، وتتفق في جزء كبير من هذا الدور مع الجهود المعلنة من قبل الولايات المتحدة وحلفائها وهو محاربة الإرهاب في سوريا والعالم، لكن هذا الاتفاق لم يصل إلى مرحلة توحيد المواقف العسكرية والاستخبارية باستثناء بعض أنواع التنسيق كي لا تصطدم الطائرات الروسية بالأمريكية. أما في ما تبقى فإنهم على طرفي نقيض حتى في موضوع التعامل مع الإرهاب. وقد كشفت بريطانيا هذا التناقض والاحتقان الغربي الشرقي إلى العلن، بينما تتململ فرنسا باحثة عن دور في المنطقة، معتقدة أن الخاصرة الأضعف هي سوريا.
ترى، ماذا لو قامت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة بضرب جماعي للوزارات السورية التي تتضمن مسؤولين روس؟ لا نعتقد أن روسيا ستلجأ إلى طرد الدبلوماسيين، ولكنها قد تفجّر الاحتقان دفعة واحدة، وتنفلت الأمور من عقالها، ليبدأ اللعب بالوكالة وعلى المكشوف في ساحات عربية أهمها سوريا وليبيا، وقد تتصاعد وتتطور لتصبح حرباً مباشرة، عندئذ ستنشب حرب عالمية محدودة يتمكن التحالف بقيادة أمريكا من توجيه ضربات للقوة العسكرية الروسية، وقد تدخل «إسرائيل» على الخط، وربما تدخل دول عربية في الحرب أيضاً. وقد يكون هذا هو الهدف الأشمل، لا سيما بعد تغيير وزير الخارجية تيلرسون واستبداله برئيس الاستخبارات الأمريكية. ولهذا السبب تسعى روسيا إلى حسم الصراع في الغوطة الشرقية حتى تضمن الجبهة الداخلية السورية.
وهذا السيناريو يحتاج إلى شهور لتنفيذه، لكنه لو حدث ستشهد المنطقة العربية حرباً لا هوادة فيها إلاّ إذا تم الحسم بطريقة سريعة على طريقة الضربة القاضية، وإلى ذلك الوقت، سيبقى الاحتقان، ولعبة المد والجزر في العلاقات مستمرة، إلاّ إذا لعبت ألمانيا دوراً محورياً، سيما أنها تعتقد أن حادثة تسميم الجاسوس غير كافية لاتخاذ تدابير وعقوبات وحرب دبلوماسية بين الشرق والغرب.
suwaiji@emirates.net.ae