مقالات عامة

ليبيا ومستوطنات الإرهاب

مفتاح شعيب

إلقاء قوات الجيش الوطني الليبي القبض على 16 عنصراً من «جبهة النصرة» الإرهابية، كانوا بصدد التسلل إلى جنوبي البلاد، يقدم دليلاً إضافياً على عمليات الترحيل المنظمة للعناصر الإرهابية من سوريا إلى دول أخرى من بينها ليبيا، بعدما أشارت تقارير متطابقة إلى وجود مخطط خبيث لتجميع العناصر المتطرفة في هذا البلد «الخصب»، بأسباب انعدام الاستقرار والفوضى.
عملية التسلل حدثت في المنطقة الصحراوية على الحدود الجنوبية الليبية، وضمت الخلية عناصر من جنسيات سورية وسودانية. وأشارت التحقيقات الأولية إلى أنها كانت تسعى إلى الانضمام إلى «الجماعة الليبية المقاتلة»، وما يعرف ب«مجلس شورى ثوار بنغازي»، وهما جماعتان ليبيتان متطرفتان، ساهمتا بقوة في السنوات الماضية في ترحيل آلاف الإرهابيين والعتاد إلى سوريا بذريعة دعم «الثورة»، وقد كانت عمليات الترحيل والإسناد تتم بواسطة دول معروفة من بينها قطر، بالتعاون مع الأتراك ودول أخرى كانت تعمل على توسيع دائرة الدم والفتنة.
ولكن عندما انقلبت المعادلات، بدأ على ما يبدو الترحيل العكسي إلى القواعد الأصلية، وهو ما أكدته قبل فترة تقارير أمنية مصرية، أشارت إلى وجود خطة بصدد التنفيذ، تقوم على تهريب الإرهابيين من سوريا والعراق إلى ليبيا وإلى شبه جزيرة سيناء، في مسعى لتُواصل الجماعات المتطرفة دورها التخريبي في المنطقة بتأييد ودعم من قوى إقليمية ودولية، أصبحت مدموغة بدعم التطرف ومحاولة التكسب من زراعة الإرهاب.
الوضع المتوتر والغامض في الجنوب الليبي، ربما سيكون الفضاء الجديد لتركز الجماعات الإرهابية، في ضوء تقارير مؤكدة تشير إلى أن تنظيم «داعش» بدأ يعيد تنظيم صفوفه وتمركزه في تلك المنطقة الصحراوية، التي تعادل مساحتها أكثر من مليون و200 ألف كيلومتر مربع، وتحتوي على واحات متناثرة غير مأهولة، وسلاسل جبلية منيعة لا تخضع لأي سلطة، ففي هذه المنطقة بدأت تتواتر أنباء عن نشوء كيانات إرهابية، مثل تنظيمي «جيش الصحراء» و«مجلس شورى شباب الإسلام».
ومثل هذه التنظيمات تشكلت من فلول الجماعات المهزومة في سرت وبنغازي، ويجري تدعيمها بعناصر من العائدين من ميادين الإرهاب في سوريا والعراق.
وبسبب توفر المال والسلاح، تم استقطاب مزيد من المتطرفين من داخل ليبيا من الدول الإفريقية المختلفة، خصوصاً من منتسبي الجماعات المتطرفة في مالي وتنظيم «بوكو حرام» في نيجيريا.
تسلل الإرهابيين إلى ليبيا عبر الصحراء قد يفسر التوتر المتصاعد في المناطق الجنوبية، حيث أسفرت الاشتباكات عن ترحيل أكثر من أربعة آلاف شخص. وإذا كان ظاهر الصراع يشير إلى معركة قبلية، تؤكد التفاصيل والشهادات أن العامل الإرهابي يحاول أن يتكيف مع الوضع الفوضوي، حتى يتمكن من المنطقة ويبني قواعده ومستوطناته.
ومن العلامات الدالة على وجود أمور مريبة، حملة التضليل الكبيرة التي تروج لها بعض الأطراف، فالحديث عن صراع قبلي من شأنه أن يحيد الأنظار، واتهام الجيش الوطني باستهداف الأفارقة يختزل نية مبيتة، لإظهار الوضع على غير حقيقته، بينما يؤكد الواقع أن الجماعات الإرهابية من مشارب مختلفة بدأت تتجمع وتتوسع لبناء بؤرة توتر جديدة في عمق الصحراء، وهي بؤرة ربما تكون أكثر تعقيداً من البؤر الأخرى، التي تخلصت بكثير من التضحيات والدم، ولم تتحرر بعد من التبعات.

chouaibmeftah@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى