مقالات عامة

التحليل النفسي للفنون

عبد اللطيف الزبيدي

هل نقول: قل لي ما هي فنونك أقل لك من أنت؟ الفن فضّاح. ما أحوج الناس إلى عقل فني ناقد، يضع الإنتاج تحت مجاهر علوم النفس والاجتماع والتربية. يقيناً، للفنون تأثير في السياسة والأمن القومي أيضاً.
أسوأ أنواع الاستهلاك هو ما تستهلكه الأذهان بلا كيف ولماذا. أفهام هي «وكالة بلا بواب»، جسم بلا جهاز مناعة. أسوأ من ذلك نظر المتلقين إلى الفنون على أنها وسائل ترفيه. عولميّاً، هي آفة رأسمالية تعني جميع الأفراد والأسر والمجتمعات في العالم. لكن مصائب المحيط العربي أشد هولاً لأنه مستهلك بغير بديل ذاتي أصيل. للأسف أكثرية المستهلَكات تأتي من الإمبراطورية الأمريكية، فمقاليد قوة الفنون بيدها، أي أن قوى الإنتاج الفني والإعلام والدعاية والإعلان وتربية الأذهان هي التي تتحكم فيها وتوجهها لخدمة اقتصادها ومآربها.
العقلية الاستهلاكية واحدة عند غياب العقل الناقد. كم من الناس من يفكرون في كميات السكريات والدهون والملونات الكيميائية، التي يتناولها الصغار في الحلوى والبسكويت والوجبات السريعة؟ كذلك لا يتساءل الآباء عن حقيقة الآثار التربوية في الرسوم المتحركة، التي تعرضها سوبرماركتات الفضائيات، ما الذي ستزرعه في نفس الطفل من سلوكيات، وفي ذهنه من طرائق تفكير؟ بعد سنوات قليلة يصير مراهقاً، غارقاً في الألعاب الحاسوبية، بالأسلحة الافتراضية، مسدسات، رشاشات، مدافع، قنابل يدوية، صواريخ، دبابات، مروحيات، قاذفات، أصبح بطل سوح الوغى، قادراً على القتل والتدمير بالجملة والمفرّق. كل بضعة أشهر يبحث عن آخر صيحة في قدرات الحواسيب، ما استطاع إلى ذلك مادياً. لكن، هل تسأل الأسرة عن انعكاس كل ذلك على أداء دماغه، والآثار «التأهيلية» السلبية في نفسيته وسلوكه؟ يستسهلون الأمر: إنه يلعب ويتسلى. هذه الألعاب أخطر من رفاق السوء في الأحياء المنفلتة.
الآن، ما شاء الله، صار شاباً، أمسى في إمكانه قضاء السهرة مع أفلام الرعب و«الأكشن»، واستراحات يسمع فيها موسيقى «هيفي ميتال» الصاخبة بجنون، على ترددات تؤذي جهاز السمع والقلب والمخ، بسماعة فائقة سباعية (7.1) تعادل سبعة مكبرات صوت، حتى لا يزعج العائلة والجيران. عندما يأوي إلى فراشه، يلعن تخلف العرب العاجزين عن إنتاج مثل تلك «الروائع»، بينما الوالدة الرؤوم تودعه: «أحلاماً لذيذة يا روح أمّك». أمّا ما يصيبه بارتجاج الدماغ وزلزال الروح والعواطف، فهو أنه حين يرى الواقع العربي، يهوله أن منتجي تلك «الفنون»، هم أنفسهم الذي يلعبون على التراب السيادي تلك الألعاب ولكن باللحم الحي، بالحجر والشجر والبشر والمصير.
لزوم ما يلزم: النتيجة التربوية: تلك «الفنون» أرضية تأهيلية مضادة للتألق في العلوم، استعداداً للتنمية الشاملة لرخاء الأوطان.

abuzzabaed@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى