سياسة أمريكا الخارجية بعد تيلرسون
د. خليل حسين
لم تكن إقالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لوزير خارجيته ريكس تيلرسون عملاً مفاجئاً، فقد سبق لترامب أن أقال شخصيات فاعلة ووازنة في إدارته خلال الأشهر الماضية، إنما ما يسجل لهذه الإقالة أنها تمت عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ما يعبر عن دلالات قاسية لجهة تعامل ترامب مع خصومه، أو من يعارضه في المسائل الاستراتيجية.
وغريب المفارقات فيها، أنها أيضاً تمت بعد سنة ونصف من التباين بين الرجلين، والتي بدأت إبان حملة الانتخابات الرئاسية، واستمرت علانية بعد تعيينه، وبخاصة حول مسائل دولية حساسة، في وقت تتميز وزارة الخارجية الأمريكية عادة بقربها الشديد من السياسات التي تنتهجها الرئاسة في البيت الأبيض.
ثمة صورة من عدم الاستقرار في سياسة الولايات المتحدة منذ سنة وثلاثة أشهر تقريباً، وهو ما عبر عنه ترامب «بخيبة الأمل»، إذ يعبر بشكل دائم أن سياسة بلاده الخارجية باتت فرعاً للحزب الديمقراطي، ذلك نتيجة تراجع الحضور الأمريكي في غير ملف إقليمي ودولي وبخاصة في الشرق الأوسط، كل ذلك مثل إشارات واضحة جداً عن حجم التباين والخلافات العميقة بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية.
وإذا كانت الخلافات لم تكن يوماً سراً، فهي أعمق من تباينات شخصية حول مواقف معينة، فعلى سبيل المثال، وصف تيلرسون دعوة رئيسه في يوليو / تموز الماضي لمواجهة التمدد الروسي بزيادة الترسانة النووية الأمريكية بواقع عشرة أمثالها بأنها خطوة «حمقاء»، ما يدل على عمق الهوة بين البيت الأبيض ووزارة الخارجية، وهو أمر غير مسبوق أيضاً في التعبير عن السياسات الخارجية التي ينبغي أن تكون متطابقة.
ثمة عدة ملفات رئيسية وحساسة بالنسبة لسياسة واشنطن الخارجية، يأتي في مقدمتها استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة التي أعلنت قبل شهرين، ولم يكن تيلرسون آنذاك راضياً عنها، بل وجه إليها انتقادات لافتة باعتبارها لا تعبر عن السياسات الدبلوماسية التي يتبناها. وثاني الخلافات ظهر بشكل واضح فيما يتعلق بالإستراتيجية تجاه كوريا الشمالية وملفها النووي، حيث ظهرت مواقف متشددة جداً لترامب، فيما نحا تيلرسون إلى سياسات الاحتواء مع كوريا الشمالية. والمسألة الثالثة تعاطي تيلرسون المرن مع الاتفاق النووي الإيراني والرافض لانسحاب واشنطن من الاتفاق الدولي السداسي،الأمر الذي يتناقض مع موقف رئيسه تحديداً من هذا الملف الذي كان في طليعة برنامجه الانتخابي. والمسألة الرابعة بدت في تباين سياسات الطرفين تجاه الأزمة القطرية التي أنحاز إليها ورسم سياسات غير متوازنة مع أطرافها الآخرين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية ومصر، وهو ملف مركزي في سياسات البيت الأبيض الخارجية.
أما القضية الخامسة فتكمن في طريقة تعاطي وزارة الخارجية الأمريكية مع قرار الرئيس بنقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إلى القدس، وهو ملف مركزي أيضاً كان في طليعة برنامج الرئيس الانتخابي الذي لم يكن تيلرسون متحمساً له.
بالمحصلة ثمة قضايا مركزية افترق الطرفان في قراءتها، إضافة إلى التباين الشديد في وسائل تنفيذ بعضها، ما أجبر ترامب على اتخاذ قراره في الاتجاه الذي يصوب سياسة خارجيته مع مسارات تطلع إليها إبان حملته الانتخابية، ذلك بتعيين مايك بومبيو خلفاً لتيلرسون، الذي شغل منصب مدير وكالة الاستخبارات المركزية، والذي اشتهر أيضا بمواقفه المتطرفة ضد الأقليات الدينية والعرقية في الولايات المتحدة وبينها المسلمون، كما عرف بموقفه الرافض للاتفاق النووي مع إيران، ويعد من أشد الرافضين لإغلاق معتقل غوانتانامو.
كل ذلك يؤشر إلى سياسة خارجية مختلفة تماماً ستظهر في الأشهر المقبلة، ومن المحتمل والمفترض أن تبرز تباعاً في الشرق الأوسط الذي سيكون الملف النووي الإيراني في طليعة القضايا المستهدفة، طبعاً علاوة على الأطر التنفيذية لما سميَّ ب«صفقة العصر» .