«طالبان» تطلب التفاوض
فيصل عابدون
ليست المرة الأولى التي تلمّح فيها حركة طالبان الأفغانية إلى ميلها لإنهاء التمرد العسكري عبر مفاوضات سلمية، فقد عبرت في مراحل مختلفة عن توجه نحو المفاوضات بل إنها دخلت بالفعل في جولات تفاوض برعاية القيادة الباكستانية لكنها لم تصل أبداً لمرحلة توقيع اتفاق. كما أن الاهتمام الأمريكي بانخراط الحركة المسلحة في مفاوضات سلمية ليس جديداً، لكنه يعود إلى سنوات طويلة.
وفي منتصف الأسبوع الجاري، أعلن وزير الدفاع الأمريكي جيم ماتيس الذي وصل إلى كابول في زيارة مفاجئة، أن بعض أطراف حركة طالبان منفتحون على إجراء محادثات مع الحكومة الأفغانية.
وقال ماتيس «قد لا يأتي جميع طالبان دفعة واحدة، لكن من الواضح أن بعض الأطراف مهتمون بإجراء محادثات مع الحكومة الأفغانية».
وتستند التكهنات وربما المعلومات المؤكدة حول رغبة الحركة في التفاوض على عرض قدمه الرئيس الأفغاني أشرف غني، لحركة طالبان يتضمن اعترافاً تدريجياً بالحركة كحزب سياسي قانوني. لكن الحركة ربما لا تكون مهتمة بالدخول في مفاوضات مباشرة مع حكومة كابول التي تعتبرها حكومة غير شرعية ودأبت على إعلان موقفها بالتفاوض مع المحتل «الولايات المتحدة». لكن ذلك قد لا يعدو كونه موقفاً تفاوضياً، فلا مفاوضات ذات جدوى ولا اتفاق من أي نوع يمكن أن ينهي الصراع، ما لم يجر التفاوض حوله بين الحركة المتمردة والحكومة الشرعية في كابول. وقد تقدم الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى الضمانات الضرورية وتعمل على تقريب الشقة بين الأطراف، لكنها لن تكون طرفاً في المفاوضات.
إن المؤشرات التي تطلقها حركة طالبان وتستقبلها واشنطن في هذا التوقيت بالذات تكتسب أهمية بالغة. فقد استمرت الحرب سنوات طويلة بعد زوال الدولة الطالبانية إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر وهجمات الولايات المتحدة الانتقامية على أفغانستان. استمرت الحرب سنوات طويلة من دون أن تحقق الحركة نتائج على الرغم من استمرار بقائها في ميدان الصراع، ومن دون أن تحقق أفغانستان استقلالها الكامل ولا استقرارها الكامل بسبب النزاع الدامي.
كما أن الحركة المتمردة التي حكمت البلاد بعد الفوضى التي تسببت فيها جماعات الجهاد الأفغاني، نالت نصيبها من التمزق الذي تفرضه الحروب المتطاولة والنزاعات الدموية؛ فقد عانت من فقدان الكوادر والقيادات وتعقدت علاقاتها الداخلية مع عشائر المنطقة وفقدت الحلفاء الإقليميين وتقسم تنظيمها وشهد انشقاقات عديدة بعد ظهور تنظيم «داعش» على الساحة الأفغانية. حيث اقتطع التنظيم المتطرف الجديد العديد من القواعد التحتية والكوادر القيادية وعمق من الأزمة الخانقة التي يعاني منها التنظيم.
لا شك أن كل هذه التداعيات بالإضافة إلى عامل الزمن، يفرز طرقاً جديدة للتفكير وقيادات جديدة وأيضاً أهدافاً جديدة للحركة التي طالما آمنت بالقتال والحرب طريقاً وحيداً لتحقيق أهدافها وغاياتها.
Shiraz982003@yahoo.com