الخوف من المستقبل
تأليف: بن رودس
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
على مدى ما يقرب من عشر سنوات، رأى «بن رودس» تقريباً كل ما يحدث في قلب إدارة أوباما؛ أولاً ككاتب خطابات، ثم كنائب لمستشار الأمن القومي، وأخيراً كمساعد مقرّب متعدد الأغراض. كان يبدأ يومه كل صباح في المكتب البيضاوي مع أوباما للاطّلاع على آخر المستجدات، ويسافر معه إلى الخارج، وكان في قلب بعض اللحظات الأكثر إثارة للجدل. الآن، وفي هذا العمل، يروي القصة الكاملة لشراكته، ثم صداقته مع رجل تصادف أنه رئيس تاريخي للولايات المتحدة.
في الفصل قبل الأخير بعنوان «حروب المعلومات» يتحدث رودس عن جولة له إلى «معهد بروكينغز» ولقائه مجموعة من الخبراء والصحفيين للحديث عن السياسة الخارجية الأمريكية، ويقول عن ذلك اللقاء: «أطلق واحد بعد الآخر انتقادات لسياسة أوباما الخارجية، واضعين اللوم عليه لأجل ما حدث في أوكرانيا، والكارثة في سوريا، وبريكست، وصعود الصين».
ويشير إلى أن ليون ويسليتير، وهو محرر في «ذا نيو ريبابليك»، شنّ هجوماً لاذعاً على أوباما، واصفاً إياه أنه أول رئيس أمريكي في التاريخ يخون القيم الأمريكية. ويعلق رودس على ذلك الموقف، كاشفاً حقيقة المهاجمين: «كنت جالساً في حالة من الاهتياج. فقد كان ويسليتير عضواً في لجنة تحرير العراق، وقام بأكثر ما يمكن لأجل أن يقدّم انطباعاً بأن النخبة المثقفة الليبرالية قد دعمت الحرب في العراق، هذه الحرب التي كانت كارثة أخلاقية خانت القيم الأمريكية. فالعراق، هو المكان الذي قتلت فيه قنابلنا الأطفال، وليس أي أحد آخر».
وعن الانتقادات التي وجهت إلى أوباما وإدارته يقول: «أجبت بهدوء. قلت: لقد جئت للتو من لاوس، حيث لا تزال القنابل الأمريكية غير المتفجرة تقتل الأطفال منذ أكثر من أربعين سنة على سقوطها. ثمّ كرّرت لازمتي الطويلة حول عدم التوجّه إلى الحرب في سوريا التي لم تكن خيانة لحقيقة من نكون؛ فلم يكن هناك خيارات جيدة، وكان عدم التوجه بهدف الحفاظ على قدرة الولايات المتحدة على قيادة العالم بدلاً من خوض سلسلة من الحروب التي لا نهاية لها في الشرق الأوسط. في داخلي، شعرت بالشك تجاه ما يقولونه وكنت أقول: أيها الرجال أنتم تفتحون النار على أوباما ونحن على بعد أسابيع قليلة من الانتخابات التي يمكن أن تأتي برجل يشكل خطراً واضحاً وموجوداً على القيم الأمريكية والنظام العالمي».
يتحدّث رودس في هذا الفصل أيضاً عن شعبية أوباما قائلاً:«بقيت شعبية أوباما ترتفع في البلاد ومن حول العالم، لكن الانتقادات الموجهة إلى سياستنا الخارجية في الداخل وصلت إلى أقصى درجة لها، مما عزز من رؤية ترامب البائسة (الديستوبية) لأمريكا في حالة من السقوط الحرّ. بالطبع، يعيش العالم في حالة من التحدي. فكل شيء جربناه فشل في إيقاف القتل في سوريا. وكان اللاجئون يتدفقون إلى أوروبا. وروسيا تشنّ هجوماً عنيفاً من أوكرانيا إلى سوريا. لكن أوباما كان أكثر القادة احتراماً في العالم، ومن الضروري الاعتراف أنه ربما يكون هناك حدود لقدرتنا على حل كلّ مشكلات العالم التي يمكن أن يتركها شخص مثل ترامب الذي ببساطة أكد أنه وحده استطاع أن يفعل ذلك».
رحلة النهاية
في ختام رحلته مع الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما والعمل في البيت الأبيض يصف رودس اللحظات الأخيرة من رحلته في هذه الوظيفة خلال الفصل الأخير من العمل بعنوان«النهاية»، وذلك بعد تنصيب ترامب، وتوجّه أوباما إلى مدينة بالم سبرينغس في ولاية كاليفورنيا، قائلاً:«نزلت من الطائرة وسرت مائة قدم أو أكثر إلى منطقةٍ أمكنني فيها التدخين. كانت ليلة مظلمة، ولم يكن هناك سوى عدد قليل من السيارات كانت متوقفة على مدرج المطار: وهي سيارات الدفع الرباعي والشاحنات المخصصة للمرافقة الشخصية».
ويضيف: «انتابني خوف مثل جميع المحطات التي قمت بها خلال تزويد «سلاح الجو واحد» (مسمى ورمز النداء المستخدم من قبل المراقبة الجوية للطائرة التي تقل رئيس الولايات المتحدة) بالوقود في القواعد العسكرية الأمريكية على مر السنين. في أنكوراج وغوام وفي جزر الأزور، وفي ألمانيا، إنها استراحات قصيرة في منتصف الرحلات الطويلة حول العالم. لم يكن هناك حفلة استقبال ولا سجادة حمراء. لقد راقبت أفراد عائلة أوباما، دون أن يلوحوا وصعدوا سيارات الدفع الرباعي الخاصة بهم، متجهين إلى بداية الفصل التالي من حياتهم».
يصف رودس تفاصيل اللحظات الأخيرة من مغادرة أوباما قائلاً: «يضجّ «سلاح الجو واحد» عادة بالنشاط الصحفي والخدمة السرية وبأفراد الطاقم. لكن عندما انطلقت الرحلة إلى واشنطن، كان هناك أقل من عشرة ركاب على متن الطائرة الهائلة. توجّه عدد قليل من الموظفين إلى الرحلة مع عائلة أوباما في شكل مفعم بالعاطفة والدعم المعنوي. أما الناس الذين لم يغادروا فقد أكلنا وجبة كاملة عندما طارت الطائرة شرقاً عائدة إلى الوطن. صرت أروح وأجيء على طول الطائرة في المقاعد الخلفية، حيث كنت أطالع الصحف عند السفر؛ والطاولات ذات الأربعة مقاعد، حيث كنا نشاهد الأفلام؛ وفي قاعة المؤتمرات حيث كنت أشاهد أوباما يتخذ القرارات ويتلقى إحاطات بالقضايا ويلعب بورق اللعب، وحيث كنت أشعر بالذعر بسبب الخطب التي أحسّ بأنها أهم الأشياء العاجلة التي يمكن تخيلها.
جلست في مقصورة كبار الموظفين، وأنا نفسي لم أعد موظفاً وغرقت في شرنقة الضجيج الأبيض الذي كان دائماً يميز رحلة العودة إلى الوطن. استلقيت على الأرضية المكسوة بالسجاد، وأنا أشعر باهتزاز طفيف وبارد من تحتي. كنت متعباً جداً وغير قادر على فعل أي شيء، لكن كان النوم مستحيلاً. نظرت إلى نجم مستزرع أعطاني إياه طاقم»سلاح الجو واحد«، وهو تذكار يفيد بأنني قطعت أكثر من مليون ميل على متن هذه الطائرة».
فكرت في الشاب الذي كنته عندما ذهب للعمل إلى شيكاغو. في تلك الأيام، اعتدت السير في شوارع المدينة دون الكشف عن هويتي، وأنا أنظر إلى ناطحات السحاب المنتشرة والبناء الجديد الذي وصل إلى السماء من حولي. وكنت أود التوجّه إلى مكتب الحملة الانتخابية من خلال سلسلة من الأزقة التي تتقاطع مع شارع ميشيغان. دائماً، عند افتتاح شارع متقاطع أو استراحة في المباني، يمكن أن أرى من زاوية عيني برجاً زجاجياً جديداً وواسعاً يتسلق السماء على طول نهر شيكاغو.
في رأيي، كان المبنى رمزاً لما كنا نبنيه في الحملة، حيث كان يشق طريقه نحو الإنجاز. ولم ينته حتى بعد فوزنا بتجمع أيوا الذي وضع أوباما على الطريق إلى الرئاسة.
العالم كما هو
ويشير رودس إلى أنه «كان من المستحيل أن يتواجد ترامب كرئيس من دون الحادي عشر من سبتمبر، ومن دون التطرف في وسائل الإعلام والتأكيد على القومية الأمريكية العسكرية الجديدة، ومن دون تعزيز الخوف الزاحف من الآخر، ومن دون التلاعب بالأيديولوجيا؛ والحروب التي استنزفت قوة الولايات المتحدة، وقلصت مكانتنا في العالم؛ والاعتراف بأنه لن يكون هناك نصر كما وعد بوش».
ويضيف: «أغلقت عيني في مكان ما هناك، في الفسحة الشاسعة للظلام، كانت قصة السنوات ال8 الماضية، العالم كما هو. كانت الأسواق قد عانت أزمة بسبب التوقعات المتفائلة على شاشات الكمبيوتر. أجهزة الطرد المركزي الإيرانية بقيت خاملة في مستودع التخزين مع الأختام الإلكترونية. والنساء الإيزيديات والأطفال الذين فروا من جبل سنجار ينتظرون حياة جديدة في مخيمات اللاجئين في تركيا. وكان فريق من النساء في لاوس يقمن بالنبش عن القنابل غير المتفجرة. وكانت السجون السورية مليئة بالبشر الذين يعانون رعباً لا يوصف. وكان لاجئ يذهب للبحث عن عمل في برلين.
وفي الوقت نفسه تبدأ امرأة مسنة من ضمن من نجوا من القنبلة الذرية في هيروشيما يومها في شقة مرتبة. ويترأس فلاديمير بوتين نظاماً روسياً انتقامياً ومتعفناً. وتعدّ أنجيلا ميركل عملها لولاية ثانية كمستشارة ألمانية. ويقوم الناتو بدوريات في سماء أستونيا.. والقوات الأمريكية المدعومة تقترب أكثر من الرقة. ولم تعد أبوت أباد المحتلة من قبل أسامة بن لادن محتلة. والقوات الأمريكية تحرس محيط مطار باغرام. ويبحث العلماء عن طريق جديد لتحقيق الأهداف التي حددها اتفاق المناخ في باريس.
بدوره يقوم صاحب متجر كوبي بتخزين أسلحته. ويذهب شاب من كينيا كان قد شارك في برنامج الولايات المتحدة للتبادل للعمل في بناء منظمة مجتمعية في وطنه. ويقبل رواد كنيسة سوداء في تشارلستون نعم الله. ويشاهد دونالد ترامب الأخبار التلفزيونية في مقر البيت الأبيض. وينهي باراك أوباما عطلته في بالم سبرينغس.
جميع الناس الذين عملوا له أعدّوا أنفسهم للحياة الجديدة. بينما بناتي استلقين في شقتي الصغيرة غير مدركات للتشنجات في العالم من حولهن.
كان مليارات الناس في جميع أنحاء العالم قد عرفت باراك أوباما وسمعت كلماته، وشاهدت خطاباته، وفي بعض التحركات التي لا يمكن التنبؤ بها ولكنها غير قابلة للاختزال، قد رأت أن العالم يمكنه أن يتغير تدريجياً.. كيف غير وجوده اتجاه هؤلاء الأفراد والقوى الكبرى التي لمسوها؛ الحياة التي سيقودونها، القصص التي سيروونها. كنت مجرد كائن بشري في هذا الامتداد غيرتني التجربة، شوهتني قوى خارجة عن إرادتي. أندفع عبر الظلام الأمريكي على الطائرة الأكثر شهرة في العالم. سأهبط لأول مرة في قاعدة السلاح الجوي في أندروز، بدون حوامة أو مجموعة من الشاحنات.
سافرت زوجتي طوال هذه الرحلة معي في الوقت الذي كانت تقوم فيه أيضاً بعملها الاستثنائي والفعال نيابة عن النساء والفتيات في جميع أنحاء العالم، وأصبحت أماً مذهلة، وأم ابنتينا إيلا وشلو، اللتين يهمني أمرهما أكثر من أي شيء آخر في العالم، فهما تغمراني دائماً بالحب والأمل».
من هو بن رودس؟
– بنيامين ج. رودس (من مواليد 14 نوفمبر 1977) عضو سابق في البيت الأبيض عمل كنائب مستشار الأمن القومي لشؤون الاتصالات الاستراتيجية للرئيس الأمريكي باراك أوباما وكمستشار لخطة العمل المشتركة الشاملة مع إيران. خلال إدارة أوباما، كان لقب رودس الرسمي هو «مساعد الرئيس ونائب مستشار الأمن القومي للاتصالات الاستراتيجية وكتابة الخطابات». شغل منصب كاتب خطابات السياسة الخارجية لأوباما من عام 2007 حتى نهاية فترة رئاسة أوباما.
في عام 2002، قام جيمس جيبني، محرر «فورين بوليسي»، بإدخال رودس إلى مكتب لي هاملتون، العضو السابق في مجلس النواب الأمريكي، ومدير مركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين الذي كان يبحث عن كاتب خطاب. ثم قضى رودس خمس سنوات كمساعد لهاملتون للمساعدة في صياغة تقرير مجموعة دراسة العراق، وتوصيات لجنة 11 سبتمبر. في عام 2007، بدأ رودس يعمل ككاتب خطابات لحملة أوباما الرئاسية لعام 2008. كتب رودس خطاب أوباما في القاهرة عام 2009 «بداية جديدة». وكان رودس المستشار الذي نصح أوباما بسحب دعمه للرئيس المصري حسني مبارك، ليصبح مستشاراً رئيساً له خلال ما يسمى «الربيع العربي» عام 2011.
كان رودس مفيداً في المحادثات التي دفعت أوباما إلى إعادة إقامة العلاقات الدبلوماسية للولايات المتحدة مع كوبا، بعد انقطاعها منذ عام 1961. وقد وصف رودس بأنه «واحد على الأقل من مهندسي» سياسة إدارة أوباما المفترضة عن التقاعس في سوريا خلال الحرب.
في فبراير 2018 شارك في تأسيس لجنة العمل السياسي في العمل الأمني القومي مع جيك سوليفان، وهو مستشار كبير سابق في السياسة الخارجية لوزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ونائب الرئيس جو بايدن. تم تصميم اللجنة لتشجيع رؤية تقدمية للسياسة الخارجية وحلول الأمن القومي.