أربع حواضر
د. حسن مدن
في بحث علاقة تأثر العالم الإسلامي، والعرب خاصة، بالغرب تتوقف دراسة ضمّها كتاب «الشرق الأدنى – مجتمعه وثقافته» عند أربع حواضر إسلامية – عربية لعبت ما يمكن وصفه بدور الجسور بين الغرب والشرق العربي.
محرر الكتاب الذي ضمَّ مجموعة دراسات لباحثين مرموقين هو ت. كويلرينج، أما الدراسة التي نحن بصددها فهي من وضع حبيب أمين كوراني، وهي تبحث في العلاقة المعقدة بين العالم العربي والغرب، بدءاً من المراحل التاريخية المبكرة التي كانت فيها الحضارة العربية الإسلامية في أوج توهجها، ما جعلها في موقع المؤثر في الأمم الأخرى ليس دينياً فقط، وإنما ثقافياً وحضارياً أيضاً.
يكسر المؤلف الصورة النمطية السائدة عن العرب بوصفهم مجرد فاتحين عسكريين للبلدان الأخرى، ويسلط الضوء على جوانب إشعاعهم الحضاري، وبما لدى العرب من علم، وباستيعاب العلماء العرب والمسلمين، عبر اللغة العربية تحديداً، للفنون الآتية من فارس والفلسفة والفلك والرياضيات من الهند، فضلاً عن العلم والفلسفة الإغريقيين، فإنهم نقلوا هذا الإرث الإنساني الضخم إلى أوروبا.
حين توارت جذوة تأثير العرب كان عليهم أن ينتظروا طويلاً لتأتي إليهم ثمار الحضارة الغربية التي كان لأجدادهم فضل كبير في نشوئها، عبر مجموعة قنوات كان لتلك الحواضر الأربع دور حاسم فيها.
الحاضرة الأولى هي القسطنطينة في زمن العثمانيين الذين كانوا شديدي التأثر بنابليون وسعوا لتقليده في إصلاح الجيش ونظم الإدارة والتعليم، وكان لذلك أثره في البلدان العربية، رغم أن ما نال العالم العربي منها يعد نزراً يسيراً، لأن العثمانيين كانوا معنيين بفرض هيمنتهم لا بنهضة الشعوب التي يحكمونها.
الحاضرة الثانية هي البصرة في العراق، محط النشاط التجاري للإنجليز في منطقة الخليج العربي والهند، حيث نشطت فيها شركات التلغراف والملاحة والسكك الحديدية وسواها، فأدخل الغربيون الكثير من عاداتهم وأفكارهم الحديثة.
لعبت القاهرة، كحاضرة ثالثة، دوراً لا يقل أهمية، خاصة بعد حملة نابليون الذي لم يأت بجنوده وسلاحه فقط، وإنما بنخبة من العلماء الفرنسيين في مختلف الحقول، وهم من جلبوا مطبعة عربية إلى مصر كانت الأولى من نوعها في العالم العربي كله، ولاحقاً انطلق محمد علي باشا من كل هذا لشق طريق مشروعه النهضوي.
أما الحاضرة الرابعة فهي بيروت، حيث فتح الغربيون الذين أتى بعضهم على هيئة مبشرين أعداداً من المدارس والمستشفيات الحديثة، ما عرّف المجتمع إلى الثقافة الأوروبية، بما في ذلك أفكار التحرر الوطني من الأجنبي نفسه.
madanbahrain@gmail.com