«أستانا» واللجنة الدستورية
يونس السيد
في خضم السجال السياسي حول سوريا بين موسكو وحلفائها، من جهة، وواشنطن وتحالفاتها من جهة أخرى؛ تبرز قضية تشكيل «اللجنة الدستورية»، كأحد أهم عناوين الصراع الدائر في المنطقة؛ باعتبارها مفتاح الحل للأزمة السورية.
عوامل كثيرة تجعل من تشكيل «اللجنة الدستورية»، التي هي أساساً من إفرازات «مؤتمر سوتشي للحوار السوري»، عنواناً جديداً للصراع، وفي مقدمتها عودة واشنطن للانخراط بقوة في البحث عن حل سياسي للأزمة السورية، وزيادة عدد دبلوماسييها في المناطق الواقعة شرقي الفرات، إلى جانب التقدم، الذي حققه مسارا (أستانا – سوتشي) على حساب «مسار جنيف»، وإمكانية أن يتحول اتفاق إدلب في حال استكماله إلى نموذج لتسويات أخرى قادمة، بعيداً عن الدور الأمريكي.
المفارقة هنا؛ تكمن في انقلاب الأدوار، وتباين الأولويات، فبينما كانت واشنطن ترفض مخرجات «سوتشي للحوار»، وتصر على «مسار جنيف» برعاية الأمم المتحدة، أصبحت تضغط مع حلفائها الغربيين؛ لتسريع تشكيل اللجنة الدستورية قبل نهاية العام، وفقاً لما تمخضت عنه قمة إسطنبول الرباعية في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بمشاركة فرنسا وألمانيا إلى جانب روسيا وتركيا، فيما أصبحت موسكو راعية «حوار سوتشي» تميل إلى التريث، بانتظار تطبيق اتفاق إدلب والمنطقة العازلة؛ لكونه أولوية تتعلق بالصراع في الميدان.
وثمة حسابات أخرى، تتعلق بالمفاهيم والآليات، وتعول عليها جميع الأطراف؛ إذ إن اللجنة، التي تقرر تشكيلها في الأصل من 150 عضواً؛ بواقع 50 يعينهم النظام، و50 تعينهم المعارضة، و50 يتم تعيينهم من المجتمع المدني والمنظمات الأهلية، بإشراف الأمم المتحدة، اصطدمت بالجزء الثالث والأخير؛ حيث رفضت دمشق تعيينهم من جانب الأمم المتحدة؛ باعتبار أن الدستور هو شأن سوري بحت؛ ما دفع المنظمة الدولية بدعم من واشنطن والغرب إلى التهديد بالتخلي عن دورها في هذا المسار، وتحميل موسكو مسؤولية تسوية الأزمة السورية وتداعياتها.
وهناك أيضاً تباين في المفاهيم؛ إذ بينما يرى النظام، أن تشكيل «اللجنة الدستورية»، سيقتصر على البحث في تعديل الدستور، وليس وضع دستور جديد لسوريا، تصر المعارضة على وضع دستور جديد؛ لأنه يعد مدخلاً لتسوية سياسية، تفضي إلى انتقال السلطة وفق القرار الدولي (2254)؛ وهو أمر يرى فيه النظام تعبيراً عن موازين القوى على الأرض في عام 2012، ولا يأخذ في الاعتبار المتغيرات، التي حدثت في الميدان منذ ذلك التاريخ.
علاوة على ذلك، يستمر الصراع حول الورقة الكردية؛ إذ بينما تسعى روسيا إلى تمثيل الأكراد في اللجنة الدستورية، ودفعهم للانخراط في عملية التسوية؛ باعتبارهم جزءاً من مكونات الشعب السوري، تفادياً لصادم عسكري مستقبلاً شرقي الفرات، تحاول واشنطن لعب هذه الورقة في الضغط على روسيا والنظام؛ للتسليم بانتقال السلطة، والعودة لتنفذ مقررات مسار «جنيف 1»، فيما تعمل تركيا جاهدة على تعطيل أي مشاركة للأكراد في العملية السياسية، وتناور من أجل دخول دورياتها إلى منبج بدلاً من محيطها، وتضع الأكراد السوريين تحت ضغط التهديد العسكري المتواصل، وبالتالي فإنه لن يتم التعويل على حدوث اختراق مهم على كافة المسارات، ما لم يجري تفاهم (روسي- أمريكي) على أسس التسوية السياسية، وانخراط الجميع فيها.
younis898@yahoo.com