قضايا ودراسات

أفق آخر

خيري منصور
أخطر ما تعرض له العرب المعاصرون ليس الغزو المباشر لعاصمة أو اجتياح أخرى في عز الظهيرة، بل هو ما سعت مؤسسات خاضعة للاستشراق من أجل ترويجه من أفكار حول شخصية العربي، بحيث تتولى الضحية هذه المرة مهمة تسويق ما ينسب إليها، فما قاله «باتاي» في كتاب عن العقل العربي، وما ردده برنارد لويس استكمالاً لما بدأه آخرون من طراز «رينان»، و«دي بور»، و«روزنتال» والعشرات غيرهم وجد في أحشاء الوطن العربي من يتبناه ويردد الصدى كالببغاء. وعلينا أن نعترف بقصور المشتغلين في حقول علمية ذات صلة بحوار الحضارات والنفس والاجتماع، في التصدي لهذه الموجات التي تستهدف تجريف الوعي أولاً، ثم غسل الذاكرة وإقناع العربي أنه من طبيعة أخرى، رغم أن التاريخ يقدم براهين متعاقبة في مختلف العصور على أن العربي شأن سائر البشر، يكبو وينهض، ويمر بالربيع والخريف وينتصر ويهزم، فهو كائن بشري لا يشذ عن القاعدة الخالدة لجدلية التاريخ، لكن الاستراتيجيات الهادفة إلى التفكيك وخلخلة النسيج الاجتماعي وتدمير الدول، إضافة إلى تصنيع أسباب ملفقة لحروب أهلية لا بد أن يكون لها وكلاء.
وليس من المعقول أن يكون إسهام ثلث مليار عربي، منهم مفكرون في النطاق الكوني وليس في النطاق القومي فقط، محدوداً في الرد على أطروحات عنصرية قياساً إلى ما كتب باللغات الأخرى، ولو أخذنا العولمة مثالاً فإن ما كتبه الفرنسيون والألمان بالتحديد ضد ما بشرت به كان دفاعاً عن هويات وقوميات راسخة!
ومنهم من اتهم فوكوياما بإعادة إنتاج الفلسفة الألمانية لتحقيق هدفه وهو نعي التاريخ.
إن ما يمر به العرب من أزمات في مختلف المجالات ليس خاتمة المطاف، وقد يكون اشتداد الأزمات سبباً لانفراجها كما يقال في الأمثال!
لكن الأخطر من كل ذلك هو تبني ما يجري تسويقه من نظريات عنصرية ومزاعم استشراقية، لأنه يتسلل إلى العقول ويصيب البوصلات كلها بالعطب.Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى