أفق فلسطين : نحو سلام عادل
تأليف: ريتشارد فولك
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
هل القضية الفلسطينة ضائعة بالمفهوم العام وسط الصراعات العالمية؟ إلى أية درجة يمكن أن تؤدي محادثات السلام إلى حلول ترضي الجانبين الفلسطيني و«الإسرائيلي»؟ هل هناك آمال تلوح في الأفق بالنسبة للشعب الفلسطيني، وسط التوسع «الإسرائيلي» في استيطانه وجبروته، وانتهاكه القوانين الدولية في كل مناسبة.
يناقش هذا العمل للبروفسور الأمريكي ريتشارد فولك التحولات في الصراع الفلسطيني- «الإسرائيلي» والطرق التي يمكن أن تؤدي إلى سلام شامل وعادل، مع التوقف عند آراء المفكر الراحل إدوارد سعيد.
بعد أن عاش المجتمع الفلسطيني سنوات من الاحتلال العنيف، يستكشف الآن طرقاً مختلفة للسلام. ويشمل ذلك السعي إلى نيل الحقوق بموجب القانون الدولي في أماكن مثل الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، مع وضع تشديد جديد على التضامن العالمي والعمل غير العنيف من خلال حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (بي دي إس)، وغيرها. ويعمل البروفيسور ريتشارد فولك داخل الصراع «الإسرائيلي» / الفلسطيني على مدى عدة عقود، حيث درسه عن قرب وعمق، وما يحاول أن يقدمه في عمله هذا «أفق فلسطين»، هو النظر عن كثب إلى هذه التحولات، ويقدم تحليلاً دقيقاً لأحد أكثر القضايا إثارة للجدل في عصرنا.
التعقيدات السياسية
يستكشف فولك، في كتابه الصادر حديثاً عن دار «بلوتوبرس» البريطانية باللغة الإنجليزية في 196 صفحة، التعقيدات والترابطات داخل تاريخ وسياسة فلسطين/ «إسرائيل»، في الوقت الذي ينخرط فيه داخل العلاقات المعقدة التي خلقها الصراع ضمن المجتمع العالمي. وهو يدحض الفكرة القائلة إن النضال الفلسطيني قضية ضائعة، ويقدم تكتيكات وإمكانات جديدة للتغيير. كما أنه يضع الصراع المستمر في السياق، مما يعكس إرث إدوارد سعيد، ويستند إلى أهمية أفكاره كنموذج إنساني للسلام الذي يدرك الصعوبات الهائلة التي تواجه التوصل إلى حل للنضال الطويل. ويعد فولك، أحد أكثر الأصوات رسوخاً وموثوقية في الصراع، يعرض الآن لمحة تاريخية أكثر استدامة وتركيزاً حتى الآن.
ويشير الكاتب إلى أنه ليس هناك قضية سياسية خلال العقد الماضي مثيرة للقلق ومحبطة للهمة بالنسبة له كما هو الحال في الفشل للتوصل إلى سلام عادل ومستدام للشعب الفلسطيني. ويقول: «هذا الكتاب يحاول أن يصور المراحل الأخيرة في النضال الفلسطيني وطموحاته. وأن أي مستقبل محترم يعتمد على الفلسطينيين و«الإسرائيليين» لإيجاد طرق خلاقة للعيش معاً بطريقة تعود بالفائدة على الطرفين».
ويضيف: «خلال إعداد هذا الكتاب، تأثرت كثيراً بسنواتي الست (2008-2014) في العمل كمقرر خاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 تحت رعاية مجلس حقوق الإنسان».
مستقبل الصراع
يقول الكاتب إنه «مع نهاية 2016، يبدو أن مستقبل الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي» يستعد لدخول مرحلة جديدة. فمن جانب، مع الإجماع المثير للإعجاب، ندد مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة بالتوسع الاستيطاني «الإسرائيلي» في القرار رقم 2334، الذي امتنعت الولايات المتحدة من التصويت عليه. أكد هذا العمل الرمزي أن الدول الكبرى في العالم تبقى ملتزمة بنتيجة عادلة للصراع، وتحترم الحقوق الفلسطينية بموجب القانون الدولي، وأن الأمم المتحدة سوف تستمر في لعب دور حيوي خلال هذه العملية».
ويضيف فولك: «في الوقت نفسه، فكرة تحقيق سلام مستدام في شكل حل الدولتين، مع الاحتفاظ بالموقع الرسمي في الأمم المتحدة وفي الأوساط الدبلوماسية، يبدو أنه بعيد وصعب الإدراك أكثر من أي وقت مضى. ويبدو أن الحكومة «الإسرائيلية» الحالية غير مهتمة بتسوية عبر المفاوضات مع ممثلين عن الشعب الفلسطيني. علاوة على ذلك، يفتقد الفلسطينيون إلى قيادة موحدة، ولا يمتلكون في الوقت الراهن التمثيل الشرعي بالكامل. بالإضافة إلى ذلك، تشير التطورات الميدانية إلى أن «إسرائيل» تدفع بالأحداث إلى الاستيلاء على القدس وأغلب الضفة الغربية، بالتالي يجعل من غير المنطقي تأسيس دولة فلسطينية متمتعة بالسيادة على أساس نهج حل الدولتين».
ويوضح الكاتب أنه «في الواقع، على الرغم من استمرار النضال الفلسطيني على الساحة الدولية، خاصة في الأمم المتحدة، فإن هناك عدم ثقة كاملة تقريباً في حل الدولتين المقترح وفي قدرة الدبلوماسية التقليدية على خلق اتفاق بين «إسرائيل» وفلسطين. بدلاً من ذلك، مسألة وجود أمل يعتمد على تغيير التوازن الحالي للقوى، بالتالي فإن الحكومة «الإسرائيلية» موجهة لإعادة حساب مصالحها في طرق تجعل من الممكن تصور تسوية سياسية مستدامة وعادلة مع الحركة الوطنية الفلسطينية. مثل هذا التغيير، إذا ما حدث، ستكون نتيجة مقاومة فلسطينية أعيد تنشيطها في وجه الاحتلال «الإسرائيلي» الذي يدخل عامه الخمسين وحركة التضامن العالمية التي تظهر حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، المتأسسة لتحدي الممارسات والسياسات «الإسرائيلية» التي تنتهك القانون الدولي».
كما يشير الكاتب في الكتاب إلى أن الآمال والتوقعات الفلسطينية في الوقت الراهن يبدو أنها متوقفة على نشاط الشعب أكثر مما هو على دبلوماسية الحكومات والأمم المتحدة. وإذا ما تغيرت علاقة القوى لخلق دبلوماسية منتعشة وأكثر توازناً بالاستناد إلى عملية سلام أصلية ربما تساهم في مستقبل يقود إلى حل.
الآمال الفلسطينية
ويستكشف الكاتب تفاصيل هذه الآراء في سلسلة من المقالات الرصينة، وقسم العمل بعد المقدمة والتمهيد، في أربعة أقسام رئيسية هي: أولاً، التصور الناشئ لفلسطين، وينقسم إلى أربعة فصول هي: مؤشرات الصراع، دبلوماسية أوسلو: وجهة نظر تاريخية قانونية، إعادة التفكير بالمستقبل الفلسطيني، التصوّر الفلسطيني الناشئ، ويناقش فيه التصورات الفلسطينية والأجندة والتكتيكات الموجودة من ناحية السياق السياسي الشامل الذي تأسس فيه الإطار الدبلوماسي قبل فترة طويلة من استحضار عملية السلام إلى «إسرائيل» وفلسطين التي فقدت مصداقيتها بعمق بعد عقود من الإحباط.
ويتناول الاهتمام المتزايد الذي يعطى لنشاط المجتمع المدني سواء على صعيد المقاومة الفلسطينية للاحتلال أو التضامن العالمي مع الصراع الفلسطيني لأجل تقرير المصير والحقوق بموجب القانون الدولي، ويأتي ذلك بشكل خاص في استجابة لحالات الفشل الأولى من الصراع المسلح وإحباطات أخيرة أكثر على الصعيد الدبلوماسي.
أما القسم الثاني فهو بعنوان «حرب الشرعية لفلسطين»، وينقسم أيضاً إلى خمسة فصول هي: «العنف واللاعنف في النضال لأجل حقوق الإنسان في فلسطين» (كتبها المؤلف بالاشترك مع فيكتوريا ميسن)، القانون الدولي، الفصل العنصري، الاستجابات «الإسرائيلية» لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، واستخدام القانون الفلسطيني والبحث عن سلام عادل، فلسطين تصبح دولة، والسعي إلى الدفاع في المحكمة الجنائية الدولية. وتسلط هذه الفصول الضوء على التغير الاستراتيجي والتكتيكي في التأكيد على أنه يعتمد بشكل متزايد على تشكيلة من المبادرات السلمية، على الصعيد الداخلي والخارجي، المصممة لفضح وتشويه وتحدي السياسات والممارسات «الإسرائيلية» اللأخلاقية واللاقانونية. كما يتطرق هذا الفصل إلى التوترات الإقليمية القائمة في الشرق الأوسط وكيفية حلها، والتغيرات التي يمكن أن تحدث في الموقف الأمريكي والأوروبي تجاه قضايا المنطقة، والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص.
وبعنوان «الصهيونية ومعاداة السامية في الساحة الدولية» يتألف القسم الثالث من فصلين هما: «الصهيونية والأمم المتحدة»، و«الخارجية الأمريكية، تعريف معاداة السامية وإنسانية إدوارد سعيد»، ويتوقف هذا القسم عند الاستجابة «الإسرائيلية» العنيفة ضد هذه التكتيكات الفلسطينية الأخيرة من خلال تبني سلسلة من التكتيكات لمصلحتهم، من بينها حملات عدوانية لتشويه حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات، والمنظمات الحقوقية الأخرى المناصرة للقضية الفلسطينية. ويشير الكاتب إلى أن هذا الرجوع«الإسرائيلي»إلى الخلف يتجنب معالجة التحديات الأساسية لسياساتها وممارساتها، ويركز على جهودها المبذولة في تشويه عمل الناشطين والمنتقدين، إلى درجة اتهام الأمم المتحدة بانحيازها للفلسطينيين، واعتمادها على أشكال مختلفة من التخويف سواء في الداخل أو في الخارج.
على خطى إدوارد سعيد
ويأتي القسم الرابع والأخير من هذا العمل بعنوان «إرث وصوت إدوارد سعيد»، وينقسم إلى فصلين هما: «عملية السلام الفاشلة»، و«فلسطين كقضية ضائعة»، مخصصاً لتناول الوجوه المختلفة والمتعددة لإرث إدوارد سعيد، كأكثر صوت إنساني فلسطيني مؤثر، وما يجسده من دعوة إلى ترسيخ القيم الإنسانية في الصراع القائم. ويشير الكاتب إلى أنه من الواضح أن «إدوارد سعيد في نهاية حياته وضع آماله على حل الدولة الواحدة التي يمكن للفلسطينيين و«الإسرائيليين» أن يعيشوا فيها معاً ضمن دولة علمانية واحدة تقوم على المساواة بين الشعبين من خلال التزام قوي بتطبيق قوانين حقوق الإنسان على كل من يعيش ضمن حدود هذه الدولة». كما يتطرق إلى جوانب أخرى من كتابات إدوارد سعيد عن القضية الفلسطينية.
ويخرج الكاتب في ختام عمله بعدد من الخلاصات، ومما يقوله في النهاية: اسمحوا لي أن أنهي عملي إذاً، مع إعادة تأكيد على العلاقة المعقدة بين معرفتنا المحدودة، خاصة المستقبل، وإرادتنا السياسية والأخلاقية، التي تمتلك حرية لا يمكن اختزالها لخلق آفاقها الخاصة. ولهذا السبب وحده، يبدو أنه لا بد من تقديم الدعم للانضمام إلى إدوارد سعيد وسلافوي جيجك في إعلان دفاعنا عن القضايا الضائعة، وفي هذا المثال نجد أمامنا قضية الشعب الفلسطيني الذي تم التضحية به بشكل صامت لفترة طويلة. وكما استطاع بعض العنصريين البيض البقاء في جنوب إفريقيا بعد حل نظام الفصل العنصري، سوف يأخذ الأمر معجزة سياسية قريبة من المقارنة مع التجربة السابقة للوصول إلى سلام عادل ومستدام في فلسطين، من شأنه أن يأتي بالكرامة المتساوية للشعبين. بهذه الكلمات أنهى مع مقطع من قصيدة للشاعر دبليو. إتش. أودين: «هؤلاء الذين يوشكون على الموت يطلبون معجزة».
نبذة عن المؤلف
عمل ريتشارد فولك في موقع المقرر الخاص للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية من 2008 إلى 2014. وهو أستاذ فخري للقانون الدولي في جامعة برينستون وزميل باحث في الدراسات الدولية في جامعة كاليفورنيا في سانتا باربرا.
ورغم أنه ينتمي لعائلة يهودية إلا أنه يناصر القضية الفلسطينية، ويتنكر للجانب العرقي لديه المتعلق باليهودية وإسرائيل، ويعرّف نفسه بأنه أمريكي، ويجد أن من مهمته «أن يكون مشغولاً بالتغلب على الظلم والتعطش إلى العدالة في العالم، وهذا يعني احترام الشعوب الأخرى بغض النظر عن جنسيتها أو دينها، والتعاطف في مواجهة المعاناة الإنسانية أياً كانت أو وجدت». وهو مؤلف لأكثر من عشرين كتاباً من بينها «الفوضى والثورة المضادة: بعد الربيع العربي».
أما بالنسبة لمؤهلاته فهو حاصل على بكالوريوس العلوم في الاقتصاد من كلية وارتون، جامعة بنسلفانيا في عام 1952 قبل إكمال درجة البكالوريوس في القانون في جامعة ييل. وحصل على شهادة الدكتوراه في القانون من جامعة هارفارد في عام 1962. وقد تأثر في بداياته بقراءات لكارل ماركس وهربرت ماركيوس وسي. رايت ميلز، وطور اهتمامه بالمشاريع التي تهدف إلى إلغاء الحرب والعدوان، وهو من أنصار التوجّه البشري نحو التمتع بروح عالمية، تكون الحدود فيها مفتوحة أمام الجميع لأجل الخير الإنساني. كما كان من المعارضين لغزو العراق في 2003، حيث اعتبرها جريمة عدوانية ضد السلام الدولي.