مقالات عامة

أمريكا أولاً وأخيراً

علي قباجه

قُوبل تصريح الرئيس الأمريكي ترامب (أمريكا أولاً) بالاستهجان والسخط، واتهم وقتها عرّاب الدفاع عن سياسة بلده الاقتصادية بـ«الحمائية»، ووجهت له دعوات ظاهرة ومبطنة من قبل الدول الأوروبية بضرورة التخلي عن سياسته، والعودة إلى مربع التعاون المشترك؛ من خلال الانفتاح الاقتصادي على الدول كافة، ووقف سياسات الانغلاق والتقوقع؛ لكن ترامب دأب منذ توليه رئاسة بلد يملك أكبر قوة عسكرية على السير قُدماً فيما يريد دون أن يلقي بالاً لأي تحذير أو تهديد، ظناً منه أنه يعيش في عالم لا بد أن يذعن من مشرقه إلى مغربه لبلد عاش على مر التاريخ تحت مُسمى (أمريكا أولاً).
ما صرح به ترامب جهاراً مارسه ساسة أمريكا سراً على مر العصور مع اختلاف مسمياتهم وأحزابهم سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين، فهناك من سبقه بمقولة (من لم يكن معنا فهو ضدنا) وهناك من أباد بلداً بأكمله بقنبلة أتت على اليابس قبل الأخضر جرّاء معاندته إدارة (أمريكا أولاً)، والعجب كل العجب حينما تثور شعوب البسيطة على سياسات ترامب التي توصف في جلها بأنها غير مسؤولة، وتصدر دون تريث أو تفكر في عواقبها ثم نجد الرجل يستقبل استقبال الأبطال في «دافوس» وكأنه جاء بحلول اقتصادية تنتشل العالم بأسره من مغبة الجوع والظلم والقهر..!
ازدواجية المعايير التي دأبت دول عدة على انتهاجها هي التي مكنت أمريكا على مر التاريخ من النظر للعالم بأنه لا بد له من أن يعيش في ظل سياساتها. فإذعان دولي من ناحية ودهاء أمريكي من ناحية أخرى، جعل العالم يسير وفق ما تشتهي أمريكا وتتمنى؛ فترامب قبل أن يصعد سلم طائرته خلط أوراق اللعبة، فالناظر لسياسته لا يعلم ماذا يريد الرجل أهو معنا أم معهم كما يقال؟! فهو يعلم أنه متوجه ل«دافوس» السويسرية التي تطبق الحمائية سياسة اقتصادية مثلى وهو ما جعلها في مصاف الدول الاقتصادية الكبرى، وبالطبع فإنه سيرحب به هناك، ومن ناحية ثانية غازل ترامب بريطانيا باستعداده للدفاع عنها في حال داهمها أي خطر، ومن ناحية ثالثة طرح قبولاً بنذر يسير من رغبات أوروبا مع اللعب على سياسات حماية أوروبا الشرقية من خطر موسكو، والتعاون مع موسكو في حربها ضد «داعش» في سوريا، وتوجيه رسائل مهادنة لتركيا في حربها على الأكراد من خلال تصريح بحق أنقرة بحماية حدودها من العناصر الإرهابية، وهو ما جعل دول العالم تترقب طلته على المؤتمر ليقابل بتصفيق حار وترحيب منقطع النظير.
ترامب بسياسته (أمريكا أولاً) يسير على مبدأ مصالح بلده التي كبحت الهجرة غير الشرعية من المكسيك من خلال تلويحها لمكسيكو بإجبارها على دفع كلفة بناء الجدار العازل إن لم تضبط حدودها الممتدة على مسافة 3,141 كلم، واتقاء شر اللوبي الصهيوني المتجذر بسياسات البيت الأبيض من خلال الاعتراف المشؤوم بالقدس عاصمة ل«إسرائيل» واتباع سياسة العصا والجزرة مع كوريا الشمالية وهو بذلك يقول للعالم بأسره (أمريكا أولاً) بالنسبة لكم، وإلا فلا مساعدات ولا معونات ولا..، وهو ما جعل بعضهم يقول (أمريكا أولاً وأخيراً)!
aliqabajah@gmail.comOriginal Article

زر الذهاب إلى الأعلى