أمريكا تستولي على معظم ثروة العالم
بول باكيت*
تساءل كاتب أمريكي في إشارة إلى بقية العالم «لماذا يكرهوننا؟»، مردداً بذلك – في إطار مختلف – تساؤل الرئيس الأمريكي جورج بوش عقب اعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول 2001. وكان بوش يقصد المسلمين، بينما الكاتب الأمريكي يقصد بقية العالم بمواجهة أمريكا التي تستولي على الجزء الأكبر من مكاسب الثروة العالمية.
أثرى أثرياء أمريكا لا يكسبون فقط من أمتهم، وإنما أيضاً من بقية العالم. ويمكن ل «تقرير الثروة العالمية» (الذي يصدره سنوياً معهد أبحاث تابع للمصرف السويسري «كريدي سويس») لعام 2017، وكذلك لتقارير مختلفة حول الحروب، أن تساعد في تفسير لماذا أمريكا تجعل الشعوب الأخرى تشعر بالسخط تجاهها.
من 2012 إلى 2017، ازدادت ثروة العالم بمقدار 37،7 تريليون دولار، بينما ازدادت ثروة الولايات المتحدة وحدها 26 تريليوناً. وفي الواقع، بلدنا حصل على نحو 70 % من مجمل زيادات الثروة العالمية خلال السنوات الخمس الماضية. واستناداً إلى أن الحصة الأكبر من ثروة أمريكا تذهب إلى ال10% الأكثر غنى بين الأمريكيين (وهم يشكلون أقل من 1% من عدد السكان البالغين في العالم)، فهذا يعني أنهم حصلوا على أكثر من نصف مكاسب الثروة العالمية في السنوات الخمس الأخيرة.
وفي الوقت ذاته، انخفضت الثروة في الشرق الأوسط المضطرب والمتفجر. وليس مما يدعو للدهشة أن الشبان في الشرق الأوسط وإفريقيا يشعرون بالنقمة إزاء بلد يحصل على الحصة الأكبر من الثروة – خصوصاً بالنظر إلى أن هذه المناطق الأكثر اضطراباً في العالم خسرت ثروة بصورة جماعية بين العامين 2012 و 2017.
ومع أن «تقرير الثروة العالمية» يتضمن معطيات محدودة حول كل دولة منفردة في الشرق الأوسط وإفريقيا، إلاّ أن بعض المعطيات متوفرة لدى مصادر أخرى. ومتوسط الثروة هبط في سوريا واليمن وإيران، في حين هبط أيضاً في نحو نصف مجمل إفريقيا.
ونحن نقصف بلداناً لا تشكل تهديدات إرهابية. وإليكم واقعة توضح ماذا نفعل: رج انفجار باسم وأيقظه من النوم في عز الليل، فإذا به يرى سماء العراق ليلاً من خلال تجويف كبير في سقف منزله الذي تعرض للتوّ لتفجير عنيف. وصرخ «ميادة» منادياً زوجته. ولم يأته جواب منها ولا من ابنتهما تقى… وبعد أيام من معالجة ابنته المصابة بجروح خطيرة في مستشفى، أمسك باسم بهاتفه وتوجه إلى صور زوجته وابنته الباسمتين اللتين لن يراهما مرة أخرى أبداً. وعندئذ أخذ ينتحب.
والمرء قد يظن أن بلداً يحتكر مكاسب الثروة العالمية سيتجنب إثارة نفور ونقمة ضحايا عدم المساواة. ولكن العكس هو ما يحدث. فالولايات المتحدة ألقت في 2016 آلاف القنابل من الجوّ، على سبعة بلدان في الشرق الأوسط وإفريقيا. وتقديرات منظمات إنسانية، رافضة للحرب وتتابع مجرى الأحداث، لأعداد القتلى والمصابين تزيد بكثير على الأرقام الرسمية التي يعلنها البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية).
وفي إفريقيا، يخوض البنتاجون حوالي 100 عملية عسكرية في 20 بلداً، بينها الصومال، الذي استهدف بموجة قصف جوي أمريكي جديدة في 2017، بالرغم من أن هذا البلد هو أحد بلدان الشرق الأوسط التي «لا تشكل خطراً إرهابياً شديداً» حسب معهد «كاتو» الأمريكي للدراسات. وحملة القصف الأمريكية في الصومال تحتدم من دون أي نقاش عام في أمريكا ومن دون تفويض من الكونجرس الأمريكي. ومنذ تبني «قانون تفويض استخدام القوة العسكرية» مباشرة عقب اعتداءات 11 سبتمبر/ أيلول 2001، تستند الولايات المتحدة إلى هذا القانون من أجل تبرير هجمات مهلكة على أي عدو محتمل يثير مخاوف، وذلك بذريعة اتخاذ عمل هجومي ضد أي دولة «قد تكون خططت، أو أجازت، أو ارتكبت، أو ساعدت في ارتكاب الاعتداءات الإرهابية» في 11 سبتمبر/ أيلول، حسبما ينص القانون.
لقد حولت المصالح المالية الكبرى أمريكا إلى ماكينة مالية تراكم المزيد والمزيد من الثروات، وتستخدم وسائل الإعلام من أجل تخويفنا من تهديدات إرهابية يتم تضخيمها كثيراً. وفي الوقت ذاته، تم غسل أدمغة الأمريكيين بحيث أصبحوا يعتقدون أننا نقاتل دائماً في حرب من أجل الحرية. ولكن «الحرية» أصبحت مفهوماً محرفاً في بلدنا الذي يتعاظم فيه التفاوت في الثروة. ويتم تعريض أرواح شبان وشابات أمريكيين (في الجيش) للخطر من أجل ضمان أن تكون بضعة آلاف من عائلات أمريكية «حرة» في الاستيلاء على الجزء الأكبر من ثروة البلد.
*بروفسور اقتصاد أمريكي وناشط اجتماعي – موقع «كومون دريمس»