مقالات عامة

أن تكون عربياً

خيري منصور

عندما تتعرض أشياء عزيزة للخطر أو الفقدان نعيد اكتشافها، وندرك أن الألفة الشديدة بيننا وبينها حجبت عنا حقيقتها. وسواء تعلق هذا الأمر بالأشخاص أو الأوطان والهويات فهو يتكرر، لكن بوتائر مختلفة. وعلى سبيل المثال يقول جان بول سارتر في كتابه «جمهورية الصمت»، إن كلمة فرنسا أو فرنسي لم تكن تعني الدلالة ذاتها قبل الاحتلال، لهذا أصبحت كلمة فرنسا إذا كتبت على جدار أثناء الاحتلال تكلف الإنسان حياته، لأن اسماً من بضعة حروف قد يختصر هوية في لحظة ما، وحين كان الناس يطالبون الشاعر محمود درويش بقراءة واحدة من أشهر قصائده التي كتبها قبل الخروج من فلسطين بعنوان «سجل أنا عربي»، كان يعتذر ويقول، إن أهمية مثل هذه الصرخة أنها تعبّر عن موقف تحت الاحتلال وتفقد معناها إذا قيلت في أية عاصمة عربية.
لكن ما يهدد الهوية العربية الآن يدفعنا إلى إعادة اكتشاف أعز ما ورثناه عن الأسلاف، وما كان عادياً ومألوفاً من قبل، أصبح الآن عبئاً قومياً وأخلاقياً بحيث تتطلب التحديات استدعاء كل ما لدى العرب من احتياطي حضاري وتاريخي. فأن تكون عربياً في مثل هذه اللحظات لا يكفي أن تكتب جنسيتك في بطاقتك الشخصية، أو أن تنطق بالأبجدية، فالشرط الآن لاستكمال هوية قومية من أعرق الهويات في العالم هو الوعي بالذات وبالآخر معاً، لأن هناك من يخلطون الأوراق أو كما قال المتنبي يتوهمون أن الورم شحم، وأن الليث إذا برزت نواجذه يبتسم!
العربي في هذه الآونة الحرجة ليس الرجل المريض الذي يسجى على مائدة وتتوغل المباضعُ في تضاريسه لاقتسامه كما لو أنه غنائم!
وفي الأحوال العادية نمارس وجودنا، وفي الصميم منه هويتنا كما لو أننا نتنفس. ولا حاجة لأي إنسان أن يقول في كل لحظة أنه يواصل الزفير والشهيق، لكن ما طرأ على عالمنا من متغيرات، وما سال على تخوم بلادنا من لعاب، سواء كان لأباطرة من ورق أو لقياصرة من خشب، يملي علينا إعادة اكتشاف الذات والسهر بلا كلل لحراسة أعز ما تبقى وهو الهوية!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى