إدوارد سعيد وفلسطين
د. حسن مدن
هزيمة يونيو/ حزيران هي التي حملت إدوارد سعيد على الانخراط في الشأن السياسي. قبل ذلك كان يُظهر تجاهها اللامبالاة أو عدم الاكتراث منكباً على عمله بوصفه أكاديمياً. وفي مذكراته يشير إلى أن والدته، وقد لاحظت ما جلب له الانشغال بالسياسة من خصومات، قالت له ما معناه: دعك من هذا. أنت مفكر ومثقف ولم تخلق للسياسة.
ليس من عادة الأبناء الأخذ بنصائح آبائهم وأمهاتهم حين يرونها غير متسقة مع الطريق الذي عقدوا العزم على السير فيه. مثلهم فعل إدوارد سعيد مع نصيحة أمه، سمع النصيحة لكنه لم يأخذ بها، لأن هزيمة حزيران أحدثت في نفسه ما يشبه الخضة أو الصدمة العنيفة، كحال من كان في غيبوبة أو نوم عميق، فأفاق على كارثة.
اهتمام سعيد بنقد الاستشراق قاده إلى إدراك أهمية تصحيح تاريخ فلسطين لدى الرأي العام الغربي. حفّزه لذلك أمران: كونه فلسطينياً أولاً، وكونه يعيش في أمريكا ثانياً ويحمل جنسيتها. شعر أن تاريخ وطنه يعاني تشويشاً وتشويهاً، وأن الأمر يحتاج إلى جهد كبير لإعادة كتابة التاريخ الفلسطيني.
فطن سعيد إلى أن التشويش والتشويه المشار إليهما ليسا ناجمين عن قلة المعلومات ولا حتى مجرد الانحياز الأعمى، وإنما هما نتيجة نظام تفكير ممنهج منتشر اندمج في متنه الاعوجاج المتعلق بكل ما يخص الشرق.
بعد صدور «الاستشراق» مباشرة انهمك إدوارد سعيد في وضع كتابه «مسألة فلسطين»، حيث اكتشف أنه لا يوجد، حيث يقيم، تاريخ لوطنه وكان عليه أن يعيد بناءه، على الأقل في جانبٍ منه، أي التاريخ الرسمي المعتمد والمنقول من خلال الإعلام الغربي والمؤسسات الأكاديمية الغربية ساعياً إلى ترقية وجهة نظر أخرى عن تاريخنا، حسب قوله، وعلى وجه الأساس تبيان ما فعلته اليهودية في فلسطين وفي العالم العربي.
«الاستشراق» و«مسألة فلسطين» من بين كتبه الأخرى، هما ما حملا إدوارد سعيد على مغادرة مفهوم أن دراسة الأدب ليست مجرد قضية جمالية، وإنما هي مسعى تاريخي. وفي حواره المطول مع الكاتب والناشط طارق علي، البريطاني باكستاني الأصل، قال سعيد إن عبارات ومفاهيم من نوع «الأدب لذاته»، و«مملكة الآداب»، و«جمهورية الآداب» كلها عبث من وجهة نظره، فالتأمل هو أساساً تاريخي.
اجتهاد إدوارد سعيد في نقد الصورة المنمطة لمسألة فلسطين، وللعرب عامة في المؤسسات الأمريكية، سواء كانت أكاديمية أو بحثية، أو راسمة للسياسات وواضعة للقرارات، وفي الأجهزة الإعلامية المؤثرة في تكوين الرأي العام، يعيننا على فهم لماذا تبدي الولايات المتحدة كل هذا الانحياز لـ«إسرائيل»، الذي بلغ ذروة جديدة من ذراه المتعددة بقرار ترامب الأخير حول القدس، خاصة حين نتوقف عند ملاحظة سعيد أن الأمر ممنهج وليس نتاج نقص في المعلومات.
madanbahrain@gmail.com