مقالات عامة

إقالة تيلرسون.. رؤية عربية

عاصم عبد الخالق

مقصلة الإقالات والاستقالات التي تطيح برؤوس كبيرة في إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليست قضية داخلية فقط، بل لها انعكاساتها المؤكدة على السياسة الخارجية لبلاده، ومن ثم تشغل الرأي العام الدولي، ونحن كعرب جزء منه. أحدث التغييرات، وليس آخرها بالتأكيد، كان ريكس تيلرسون وزير الخارجية، وهو رقم عشرين في القائمة ، والتي تشمل وزراء ومسؤولين آخرين على مستوى أقل استغنى هو عن خدماتهم، أو فضلوا هم الابتعاد خلال العام الأول من رئاسته.
غير أن إقالة تيلرسون تظل حدثاً استثنائياً. فلم يتم إبلاغ الرجل قبل إعلان القرار الذي أذاعه ترامب أولاً في تغريدة على تويتر. ما يعنينا هنا هو تأثير مثل هذا التغيير المهم في سياسة الولايات المتحدة في العالم والشرق الأوسط على نحو خاص. في هذا الإطار يبدو التغيير مؤكداً على ضوء الاختلافات الكبيرة بين شخصية وتوجهات وأفكار تيلرسون، مقارنة بخليفته الجديد مايك بومبيو القادم من أروقة المخابرات، والمعروف بأنه أحد أشرس صقور الإدارة.
التعارض بين الراحل والقادم يشمل كل القضايا المهمة، والتي اختلف فيها موقف تيلرسون دائماً عن موقف ترامب. عارض الوزير الراحل قرار رئيسه بالخروج من اتفاق الشراكة عبر المحيط الهادي، واتفاق باريس للمناخ. سعى للتهدئة مع كوريا الشمالية عندما كان ترامب يدق طبول الحرب معها.
تمسك الوزير بالاتفاق النووي مع إيران، بينما يصر ترامب على رفضه ويسعى لتعديله أو إلغائه. استنكر الوزير التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية بينما أنكر ترامب هذا الأمر. وفي الحد الأدنى أصر على أنه لم يؤثر في النتيجة إذا كان قد حدث من الأصل. هاجم الرئيس قائدي أستراليا والمكسيك وسعى تيلرسون لمصالحتهما. أراد ترامب التخفف من الأعباء المالية للدفاع عن الحلفاء في «الناتو»، وكثف تيلرسون جهوده لضمان استمرار الالتزامات الأمريكية تجاههم بلا تغيير. رفض الوزير قرار الرئيس بفرض رسوم على واردات الصلب والألمنيوم، وحاول نزع فتيل حرب تجارية كان يمكن أن تشتعل.
وصل النفور بين الرجلين إلى الحد الذي لم يعد فيه من الممكن كتمانه أو تحمله. وتجاوز الطرفان حدود الوقار في التعبير عنه. بل إن تيلرسون وصف ترامب في اجتماع عام بالأحمق.
وإذا كان ترامب لا يحظى بتعاطف معظم الصحف الأمريكية، فإن معركته مع تيلرسون لم تعد بالنفع على الأخير، بينما على العكس ظلت الصحف تصفه بأحد أسوأ وزراء الخارجية الأمريكيين في العصر الحديث، إن لم يكن أسوأهم على الإطلاق.
ومن وجهة نظر محايدة لا يمكن إعفاء تيلرسون من المسؤولية أو تبرئته من افتقاد الرؤية والكاريزما. ولكن في الوقت ذاته لا يمكن تجاهل الأجواء المضطربة داخل الإدارة التي عمل في ظلها. ولا يمكن أيضاً إغفال حقيقة أن ترامب تعمد تهميشه منذ اليوم الأول. أصر الرئيس على إبعاده عن بعض الملفات المهمة مثل الشرق الأوسط، الذي بقي في أيدي صهره جاريد كوشنر. كما حول ترامب حليفته المقربة نيكي هيلي مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة إلى الممثل الفعلي للدبلوماسية الأمريكية.
في وجود بومبيو ستتغير أشياء كثيرة بالتأكيد؛ بسبب قربه من ترامب، واتفاقه معه في كل القضايا الخارجية المهمة. بل إن الوزير الجديد يقف على يمين الرئيس فيما يتعلق بالموقف تجاه إيران وكوريا الشمالية على نحو خاص. كل هذا متوقع ولكن ما يجب أن يثير القلق بالفعل هو ما يقوله خبيران بحجم ارون ديفيد ميلر الدبلوماسي السابق والباحث في معهد ويسلون، وزميله ريتشارد سوكولسكي الباحث المرموق في مؤسسة كارنيجي، فهما يتوقعان أن يكون بومبيو بتكوينه وأفكاره ميالاً أكثر للحلول العسكرية، وليس صوتاً داعياً للتسويات الدبلوماسية.

assemka15@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى