إلى أي مدى تحجب الإنترنت الحقيقة الكاملة عنا؟
فرهاد مانجو
الإنترنت هي الخلاصة الأكثر شمولاً للمعرفة البشرية، لكن هل اتساع حجمها ميزة أم عيب؟ هل تقوض ضخامتها فائدتها كمصدر للمعلومات؟ كم مرة جرى فيها دفن البيانات القيمة تحت تلال قمامة المعلومات؟ لنفترض أنك تبحث عن شخص مشهور أو شبه مشهور – شخص مؤثر أو سياسي أو خبير. هل تحصل على صورة دقيقة لحياة ذلك الشخص أم صورة خاطئة جرى التلاعب بها؟
كل هذه الأسئلة ليست بالجديدة. هي في الواقع أشياء لطالما تساءلت عنها خلال تعاملي مع العالم الرقمي، والإجابات كانت تتغير باستمرار مع تغير البيانات على الإنترنت. لكن قصة حديثة جعلتني أشعر بالقلق من كل ذلك مجدداً، وأخشى أنه بات من الصعب أكثر من أي وقت مضى، الوصول إلى الحقيقة وسط صخب الضوضاء الرقمية.
كارين وايز، مراسلة صحيفة «تايمز» التي تغطي صناعة التكنولوجيا، نشرت موضوعاً ضخماً مؤخراً وثقت من خلاله نمطاً من السلوك العدائي والمسيء من قبل دان برايس، المدير التنفيذي الذي اشتهر على الإنترنت في عام 2015 لوضعه حدا أدنى للأجور بلغ 70 ألف دولار سنوياً في شركته التي تعمل في مجال معالجة بطاقات الائتمان ومقرها «سياتل». استطردت وايز قائلة، «لقد استخدم شهرته لملاحقة النساء على الإنترنت، وقد زعمن أنه يؤذيهن جسدياً وعاطفياً»، حيث أجرت مقابلات مع أكثر من اثنتي عشرة امرأة تحدثن عن لقاءات مقيتة جرت معه تفصيلاً.
لكن لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تقتحم فيها وايز العالم الأسطوري المحيط ببرايز. ففي أواخر عام 2015، بعد أشهر من تكريمه لأول مرة من قبل وسائل الإعلام في جميع أنحاء العالم لنهجه في التعامل مع الرأسمالية، نشرت وايز مقالاً في «بلومبرغ بيزنس ويك» كشفت فيه عن ارتكابه للعديد من المخالفات الفجَّة، والتي كان من ضمنها اتهام زوجته السابقة له بالعنف الشديد، وما صاحب ذلك من تفسيرات لما قام به من زيادة رواتب موظفي شركته لتبيض صفحته. عندما ربط وايز تلك الأحداث بالمقال الذي مر على نشره سبع سنوات والقصة الجديدة. عدت إلى ذلك المقال وأدركت أنني قرأته في ذلك الوقت. تذكرت عنوانه الرئيسي، «الرئيس التنفيذي الذي يدفع رواتب 70 ألف دولار سنويا لديه ما يخفيه»، وتذكرت أن تفاصيله قد انتشرت بصورة واسعة آنذاك.
ندد برايز بمقال وايز في وكالة أنباء «بلومبرغ» ووصفه بأنه «طائش» و«لا أساس له من الصحة»، لكن مقاله حُذف مؤقتاً بعد ما انتشرت القصة. بعد ذلك، وعلى مر السنين، بدأ برايز في إتقان استخدام منصة «تويتر»، وجمع في النهاية مئات الآلاف من المتابعين وأصبح عنصراً أساسياً في بعض دوائر «تويتر» ذات الميول اليسارية. كتب وايز يقول «تغريدة تلو الأخرى، عادت شخصية وايز للنمو»، مضيفاً أن «الأخبار السيئة تراجعت لتتلاشى في الخلفية. فمثلما يمكن لوسائل التواصل الاجتماعي أن تدمر شخصاً، يمكنها أيضاً – بمرور الوقت والمثابرة والجرأة – أن تدفن ماضياً مضطرباً».
لكن هذه ليست الطريقة المفترض أن تعمل بها الإنترنت. فشركات مثل «غوغل»، و«تويتر»، و«فيسبوك» وغيرها من شركات التكنولوجيا الكبرى مهمتها نشر وتنظيم البيانات عبر الإنترنت. وموضع وايز الأول عن برايز احتوى على معلومات مهمة حول شخصية شبه بارزة على الإنترنت؛ كان يجب تسليط الضوء عليها، وليس دفنها، لأنها كانت سبباً لجمع متابعيه على الإنترنت.
الأمر الأكثر إثارة للقلق هو كم مرة حدث فيها هذا النوع من الأشياء؟ الخلاصة، يكاد يكون من المستحيل الإجابة عن هذا السؤال؛ بحكم التعريف، لا يمكنك إعداد قائمة بالقصص التي يخفيها عنك الإنترنت. أعتقد أن قصة برايز هي مثال صارخ على دفن المعلومات، ولكن هناك سبب للشك في حدوث هذا النوع من الإخفاء والقمع طوال الوقت على الإنترنت.
لماذا؟ هناك ثلاثة أشياء. الانحياز للحداثة، حيث تركز «غوغل» بشكل أكبر على إبراز معلومات الحاضر أكثر من معلومات الماضي، مما يجعل استكشاف أحداث الماضي مهمة أكثر صعوبة. التلاعب المنظم: الغوغاء على الإنترنت مصممون على تشكيل الواقع على الإنترنت – وعلى الرغم من أن المنصات تقول إنها تهتم بالمشكلة، يبدو أن الغوغاء لهم اليد العليا. وبالطبع، الرأسمالية: نظرا لافتقارها إلى كثير من المنافسة والحرص على زيادة الأرقام الفصلية، قد يكون لدى شركات التكنولوجيا حافز ضئيل لحل هذه المشكلات.
المسألة الأولى، التحيز للحداثة، تتعلق بشكل أساسي بـ«غوغل»، وهي مشكلة يشكو منها الصحافيون مثلي منذ سنوات، حيث تفضل خوارزمية بحث «غوغل» بشدة المحتوى الذي تم نشره مؤخراً على محتوى من الماضي، حتى لو كانت البيانات القديمة توفر قصة أكثر شمولاً. وهناك معنى معين في هذا الصدد: لا أحد يريد قراءة الأخبار القديمة. ولكن كما توحي قصة برايز، إذا كنت تبحث عن شخص يتمتع بحضور نشط عبر الإنترنت – شخص يغرد كثيراً، أو يظهر كثيراً في وسائل الإعلام أو شخصيته بأكملها مبنية على إثارة غضب الناس، فإن النتائج تكون غامضة.
على سبيل المثال، جرب ذلك مع شخصية مثل إيلون ماسك. عندما أفعل ذلك، أرى كثيرا من الأشياء دائمة الخضرة والبهاء – صفحته على ويكيبيديا، وروابط لوسائل التواصل الاجتماعي والسيرة الذاتية للشركة، وصفحات فهرسة المقالات عنه في مواقع إعلامية مختلفة – وغيرها من الروابط لأخبار حول أحدث ما قيل عن إيلون ماسك. في الوقت الحالي، تدور هذه العناوين الرئيسية حول المناورات القانونية في محاولته التراجع عن شراء منصة «تويتر»، وجهود «تسلا» في مواجهة مقاطع فيديو تظهر سياراتها تضرب هياكل صغيرة بحجم أطفال. وما أن تنتهي من البحث عنه في «غوغل»، فستكون النتائج قد انتقلت إلى موضوع جدلي آخر.
لكن بالنسبة لشخصية مثيرة للجدل مثل ماسك، فهل من المفيد حقا لـ«غوغل» إعادة صفحات وصفحات تحتوي على روابط لقصص مماثلة حول أحدث شيء؟ ماذا لو لم يكن الشيء الأحدث هو الأهم؟ في الصفحات العديدة الأولى من الروابط المتعلقة به، لم أشاهد قصة «إنسايدر» التي نُشرت في مايو (أيار) حول تسوية بقيمة 250 ألف دولار توصل إليها مع مضيفة طيران اتهمته بالتحرش بها. ليس هناك الكثير أيضاً عن معاركه المختلفة مع لجنة الأوراق المالية والبورصة، أو الوقت الذي وصف فيه الرجل الذي ساعد في إنقاذ 12 صبياً محاصرين في كهف في تايلاند بأنه «المتحرش بالأطفال».
لا أعتقد أن ماسك حاول جاهداً قمع هذه الأشياء. هو متصل بالإنترنت بدرجة كبيرة، وفي كل مرة يفعل أو يقول شيئاً جديداً، تتراجع الأشياء القديمة إلى الوراء أكثر وأكثر.
بالنسبة للعديد من القراء، لن يمثل أي مما طرحته عنصر مفاجأة. ولن يكون خبراً جديداً إن طالبتك بألا تثق بكل ما تراه على الإنترنت. ولكن بعد قراءة قصة دان برايز، علينا أن ندرك أن الإنترنت قد لا يمنحك صورة عادلة لما يحدث في العالم. وفي أي خبر أو موضوع تبحث عنه، قد لا تدرك المدى الذي لا تستطيع رؤيته في الموضوع الذي تبحث عنه.