قضايا ودراسات

ابكِ يا رانيا

مارلين سلوم

مرة أخرى تطغى أخبار «الفساتين» وملابس الفنانات على الحدث الحقيقي. مرة أخرى تبتعد الأضواء عن مهرجان سينمائي وقيمته وما عرض فيه ومن نال جائزة يستحقها ومن استحق جائزة ولم ينلها، لتتجه ومعها الكاميرات نحو السجادة الحمراء، حيث تبدأ العيون في نبش خزائن المدعوات، وتقييم كل فنانة بسنتيمترات ثوبها.
لا شك أن الأزياء تعكس أذواق الناس ومستوياتهم، وصحيح أن البعض يستفز الجمهور بارتدائه ما لا يليق بالمهرجان ولا بالمجتمع ولا يليق بمن يعتبرونه «نجماً» أو «نجمة»، والصفة هذه تفرض على صاحبها أن يكون على مستوى النجومية والارتقاء بنفسه وبذوقه ليبقى في مكانته في عيون محبيه. وحين نتحدث عن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، فإنما نتحدث عن أهم وأقدم احتفالية في تاريخ السينما العربية، إنما لماذا باتت الأضواء والأصوات معلقة على حبال الفساتين والملابس أكثر من وجودها داخل الصالات والأفلام وما فيها؟
خرجت مشكلة فستان رانيا يوسف من إطار إبداء الرأي والاعتراض على ختام المهرجان، والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي و«التنديد» والشتم، لتصبح قضية رأي عام، وتصل إلى أبواب المحاكم.. تضخمت أكثر مما تستحق، وصارت حديث كل الناس والصحافة العربية، وبفضل هذا التضخيم وصلت إلى الصحافة الأجنبية!
أحدهم نصح رانيا بالاعتذار العلني عن ارتدائها هذا الفستان «الفاضح»، للإفلات من براثن السجن. عمرو أديب استضافها، في حلقة بدت كأنها تمثيلية واضحة و«ساذجة». لم يلعب أديب دور الإعلامي، بل الوسيط بين رانيا والمحامين الذين رفعوا قضايا ضدها، ولم يجرِ حواراً، بل جلس يملي عليها بطرق غير مباشرة ما يجب أن تقوله ليتعاطف معها الناس ولحفظ ماء الوجه. «بكيت يا رانيا؟.. تبكين يا رانيا؟.. بكى أولادك؟» وتشعر به يقول لها «ابكِ يا رانيا»، والكاميرا تقترب من وجهها علّها تذرف دمعة فيبكي الجمهور.
ماذا تقولين للمحامين وللناس يا رانيا؟ أعتذر ولن أعيدها مرة ثانية. أنت نادمة؟ نعم نادمة. ويتكرر الكلام ويشدد المذيع على ندم رانيا متوجهاً للمحامي «اعتبرها أختك وغلطت». ويتم الصلح على الهواء، وتُرفع القضايا وتبتسم رانيا! طبعاً حجة «البطانة التي ارتفعت وحدها من الخلف» لم تقنع أحداً، لأن الزي واضح من الأمام أنه «شورت» وفوقه فستان شفاف جداً، ويبدو أن مستوى «الشورت» ارتفع من الخلف أثناء تحرك الممثلة.
إلى هذا المستوى وصل التنافس على لفت الأنظار ووصلنا بقضايانا الفنية والإعلامية، وصار الفستان أهم من الموهبة والمخزون ومن صناعة الأفلام، والفنانات يتنافسن على «إغراء الجمهور» والظهور بأغرب و«أفضح» زي، والعدسات تبحث عن الفضيحة، والتواصل الاجتماعي لا يكتمل بلا تضخيم الصورة والمساهمة عن غير قصد في الإعلاء من شأن الساعين إلى الشهرة وإحداث ضجة، وبعض الإعلاميين يشاركون في المسرحية. الأزمة الحقيقية في المستوى وليست في الفستان.

marlynsalloum@gmail.com

زر الذهاب إلى الأعلى