اختراق الممنوع وأخطاء الأهل
نور المحمود
أكثر القصص الإنسانية إيلاماً، هي تلك التي تختبئ بين طيات ملفات الأجهزة الشرطية، التي لا يخرج منها إلى العلن سوى القليل، ولا نعرف عنها إلا ما أمكن التصريح بنشره ولأسباب توعوية. بعض تلك القصص يخيفنا؛ لأنه قد يحصل لأي منا، أو لأنه يمس الأبناء، فيتسلل إلينا الرعب لمجرد الإحساس بأننا ربما نجد أحد صغارنا يوماً، وعن جهل منهم أو منا، ضحايا لأحداث مشابهة.
طبيعي في هذا الزمن، أن تكون المخدرات هي إحدى أهم الوسائل الأكثر انتشاراً بين المراهقين والشباب، وإحدى «الممنوعات» الأسهل اختراقاً لكل الحواجز والحدود الدولية، بفعل الترويج لها بمسميات مختلفة وغير مألوفة، عبر التواصل الاجتماعي والإنترنت؛ لذا فهي العدو الذي نخشاه، والقادر على التسلل إلى غرف الصغار دون علم من أهاليهم، فيتصيدهم التجار بسهولة، إلا إذا سبقهم الأهل إلى تحصين الأطفال بالكثير من الوعي، والثقة المتبادلة، والحوار المفتوح والمستمر دائماً؛ لمعرفة بماذا يفكر هؤلاء الأبناء، وماذا يفعلون ومع من يتواصلون؟ والمهم أيضاً ألّا تكون الأموال ميسرة في متناول أيديهم فيسهل عليهم شراء المخدرات سواء بالدفع عند الاستلام أو من خلال البطاقة الائتمانية.
تقول شرطة دبي، إنها حجبت 118 موقعاً إلكترونياً تروج للمخدرات والمؤثرات العقلية من خارج الدولة. والطبيعي ألّا تشكل المسافات عائقاً أمام أبناء هذا الجيل في الوصول إلى ما يريدون الحصول عليه، فالبيع الإلكتروني متوفر وسهل وسريع؛ لكن ماذا يعني أن تغلق شرطة دبي هذا العدد من المواقع الإلكترونية؟ يعني أننا لو كنا في بلد لا قانون فيه ولا رقابة أمنية مشددة وواعية على المواقع الإلكترونية، لانتشرت فيه تجارة المخدرات وارتفعت نسبة المدمنين بأعداد مخيفة، ولأصبح الأبناء كلهم وبلا استثناء في خطر.
ويعني أيضاً، أن دور الأهالي لم يعد محصوراً بحسن التربية التقليدية؛ بل عليهم أيضاً أن يلعبوا دور الضابط الشرطي اللطيف، والمراقب، والصديق، ومسك العصا من منتصفها ما بين التراخي والحسم، وما بين المسموح به والممنوع بشكل قاطع.
لم يعد يحق لأولياء الأمور عدم معرفتهم بكل خفايا التكنولوجيا وعالم الإنترنت الواسع ومخاطر التواصل الاجتماعي بكل وسائله. ولم يعد يحق لهم النأي بالنفس عن التطور الزمني، وكسر الحدود بين زمنهم وزمن أبنائهم، لينزلوا إلى مستواهم فيتم التواصل الفكري والروحي بشكل سليم. نعم تجارب الآخرين تخيفنا، مثل ابن ال 14 عاماً الذي اعتبرته الشرطة أصغر متعاطٍ للعقاقير الطبية المخدرة، وقصته ببساطة أن زميله أخبره بشعوره بألم في رأسه، فقدم له حبة ترامادول؛ ولأن الزميل كان واعياً، أبلغ إدارة المدرسة التي تواصلت مع أسرة الطالب. والأهم في القصة، أن والدته طبيبة وكانت تعطي زوجها الذي يعاني آلاماً، تلك الحبوب، وللأسف تتركها في متناول الجميع في البيت، ما أتاح للابن الوصول إليها، ثم أدمنها دون علم والديه.
الكثير من الوقاية هو خير حماية للأبناء في هذا الزمن الصعب، والمهمة ليست سهلة ولا هي مستحيلة.
noorlmahmoud17@gmail.com