مقالات عامة

استراتيجية التسريب

خيري منصور

ما يُسمى في أيامنا التسريبات لم يبدأ مع «ويكليكس»، وليس مرتبطاً بالتطور التكنولوجي، فهو قديم شأن العديد من الظواهر في التاريخ، التي تحمل أسماء متعددة، وهناك حكاية شعبية تراثية ذات مغزى عميق، تقول فيها المرأة، التي عانت الحرمان والفراق، إنها تبكي وتولول كما يشاء؛ لكن بحجة الحالم الذي لا حول له ولا قوة بكل ما يراه في المنام. وهذا ما يقوله علم النفس أيضاً عن الذين يبوحون بأسرارهم؛ بذريعة الهذيان نتيجة الحُمّى، وعن الذين يُسَرّبون عبارات؛ بذريعة غياب الوعي تحت تأثير الكحول أو أي مخدر!
والتسريبات بمعناها اللغوي الدقيق نشر معلومات كانت ضمن المسكوت عنه أو المحظور، وهي دائماً مرتبطة بالتوقيت، شأن كل الاستراتيجيات سواء كانت دفاعية استباقية أو هجومية.
وحين تأتي التسريبات بعد أوانها فهي تحدث إرباكاً؛ لأنها تفرض على المعني بها إعادة النظر، ومراجعة مواقف بأثر رجعي، وبالتالي تكون قيمتها في نطاق التوثيق فقط!
لكنها حين تأتي في سياقها وأوانها فإن النتائج تكون مختلفة تماماً.
والأهم من التسريبات رغم شَحذِها للفضول؛ بهدف إشباعه هو كيفية استخدامها، وبمعنى أدق استراتيجياتها، لهذا فهي من ثقافة الحرب بامتياز.
وعلى سبيل المثال، تظاهر الجيش المصري في حرب أكتوبر عام 1973 بالهدوء، وانصرف بعض الجنود إلى اللعب أو غسل ثيابهم للتمويه، وكان ذلك قبل الحرب بيوم واحد، وما فعله الجيش في تلك الحرب كان من تجليات استراتيجية التسريب؛ لكن من خلال مشاهد وقرائن، وليس من خلال معلومات.
وهناك حروب في التاريخ لعب التسريب فيها دوراً حاسماً سواء لتضليل العدو أو صرف انتباهه عن مشهد ما باتجاه مشهد آخر مضاد.
والجديد في استراتيجية التسريبات وحربها الحديثة هي القدرة التي وفرتها التكنولوجيا للتلفيق والتلاعب بالأصوات، وهناك ممارسات اجتماعية لا علاقة لها بالحروب والسياسة استفادت من هذا المنجز ذي الحدين كأي سلاح آخر!

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى