الأزمة الكورية تتطلب حلاً دبلوماسياً
تيد جالن كاربنتر*
إن محاولة عزل ومعاقبة «جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية» كانت دائماً عقيمة وتؤتي عكس نتائجها المرجوة. وبالرغم من جولات متصاعدة من العقوبات الاقتصادية ( من قبل الولايات المتحدة من طرف واحد ومن قبل الأمم المتحدة بصورة جماعية) على مدى أكثر من ربع قرن، إلا أن برامج بيونج يانج النووية والصاروخية كانت تحقق تقدماً متواصلاً.
وبلغت الأمور الآن مرحلة أصبحت كوريا الشمالية تملك فيها على ما يبدو، حسب بعض التقديرات، دزينة، أو أكثر، من أسلحة نووية صغيرة. ونظراً إلى التجارب الصاروخية المتتالية التي تجريها كوريا الشمالية، من الممكن أن يكون هذا البلد قد أصبح يمتلك الآن قدرة صاروخية يمكنها أن تدمر أهدافاً في شرق آسيا، وربما في ما يتجاوزها. والقلق من احتمال أن تصبح أراضي الولايات المتحدة ذاتها عرضة لضربة نووية كورية شمالية هو الحافز الرئيسي للسياسة المتشددة التي تتبعها إدارة ترامب تجاه بيونج يانج. ويؤكد الرئيس ترامب وجميع مستشاريه للأمن القومي أن «جميع الخيارات مطروحة على الطاولة» – ما يشمل ضمنياً استخدام القوة العسكرية. واليوم، يبدو خطر اندلاع حرب ممكن جداً، مثلما كانت الحال عندما درست إدارة بيل كلينتون جدياً في 1994 شن ضربات جوية استباقية لتدمير البرنامج النووي الكوري الشمالي، الذي كان آنذاك في بداياته.
ومن أجل تجنب كارثة نزاع مسلح بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، يجب أن تصبح الدبلوماسية الأمريكية أكثر ذكاء وإبداعاً بكثير. ومن بين خيارات أخرى، يعني ذلك إجراء مفاوضات مباشرة وجادة مع بيونج يانج. كما يتعين على صانعي السياسة الأمريكيين أن يصبحوا أكثر واقعية بشأن النتائج التي يمكن أن تحققها مثل هذه الدبلوماسية. وهدف واشنطن منذ أزمة 1994 وما تلاها من محادثات سداسية الأطراف بصورة متقطعة (بمشاركة الكوريتين والولايات المتحدة واليابان والصين وروسيا)، كان إرغام بيونج يانج على التخلي عن سعيها لامتلاك السلاح النووي، وكان ذلك هدفاً واهماً. إذ إن رغبة كوريا الشمالية في تعزيز قوتها وكسب هيبة عالمية كانت كافية بحد ذاتها للحؤول دون استسلام بيونج يانج. إضافة إلى ذلك، كوريا الشمالية لديها اقتصاد مختل وظيفياً، ونظام سياسي واجتماعي غير جذاب، وجيش تقليدي يصبح بالياً مع مر السنين، ولهذا لم يكن لديها من خيار فعال آخر سوى بناء قدرة نووية تمكنها من الجلوس على مقعد حول طاولة الشؤون الدولية.
وقلق كوريا الشمالية إزاء سجل أمريكا من تغيير أنظمة بالقوة عزز رفضها التخلي عن برنامجها النووي. كما أن كوريا الشمالية لديها أهداف ومطالب معلنة. فهي تصر على اعتراف دبلوماسي أمريكي كامل بها، كما أنها تريد معاهدة تنهي رسميا الحرب الكورية (وتحل محل اتفاقية الهدنة السارية منذ 1953)، ورفع عقوبات الولايات المتحدة والأمم المتحدة، وإلغاء المناورات العسكرية المشتركة التي تجريها الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية سنوياً، وانسحاب القوات الأمريكية من كوريا الجنوبية.
وبطبيعة الحال، لن يكون من السهل بالنسبة إلى القادة الأمريكيين أن يستجيبوا للائحة المطالب هذه. غير أن رفض واشنطن حتى مناقشة دواعي قلق بيونج يانج وأهدافها السياسية لم يحقق لها أي نتائج.
ولهذا من الضروري أن تتبنى الولايات المتحدة مقاربة مرنة، بما في ذلك استعدادها لتقديم تنازلات مهمة. ومقابل الاستجابة لمعظم مطالب بيونج يانج، سيكون من حق واشنطن أن تصر على أن توقف كوريا الشمالية أي تجارب نووية وصاروخية إضافية، وأن تقبل أيضاً قيوداً صارمة على أي قدرات صاروخية ونووية. إضافة إلى ذلك، سوف يطلب من بيونج يانج أن تسحب قواتها العسكرية التقليدية من مواقعها الحالية بالقرب من المنطقة المنزوعة السلاح (الفاصلة بين الكوريتين)، وهي القوات التي تهدد كوريا الجنوبية بدمار شديد.
ومثل هذه المبادرات السياسية سوف تقلل من خطر حرب كارثية في شمال شرق آسيا.
* باحث في معهد «كاتو» للدراسات في الولايات المتحدة – موقع «ذا ناشيونال إنترست»