غير مصنفة

الأسر المتعففة

هشام صافي

تباين مستويات دخول الأفراد والأسر أمر طبيعي على مستوى العالم كله بلا استثناء، فالمجتمع الفاضل الذي يتساوى فيه الناس فيما يجمعونه كماً وكيفاً لا وجود له بعد، ولن يوجد، لأن البشر ليسوا واحداً لكنهم مليارات تتفاوت بينهم كل الأشياء ولا تتطابق إلا على مستويات متنوعة، نسبية وليست شاملة، ولذلك من الطبيعي أن تسجل في الدول الغنية وشديدة الثراء كثيراً من الأسر محدودة الدخل ومستويات فقر غريبة رغم ثراء المجتمع، والعكس صحيح أيضاً، ففي الدول الفقيرة جداً ليس غريباً أن يكون هناك أثرياء لديهم ثروات طائلة.
تماماً كما أنه لا توجد مجتمعات بشرية ليس بها أرامل ومطلقات ويتامى وكبار في السن وأصحاب همم وباحثون عن عمل، فهذه فئات تعيش في ظروف خاصة، استثنائية، نتيجة تغير الأوضاع الاجتماعية، تراعيها الدول، ويحسن إليها بعض أهل الخير، للمساعدة على استمرار الحياة، وفي إطار من التعامل الإنساني الراقي.
وهناك كثير من الأسر تتعفف عن السؤال لاعتزازها بكرامتها وخجلاً من أن تمد يدها لتحصل على مساعدة، فتبقى تعاني أشد ظروف الحياة قساوة ولا تشتكي، بل تحاول أن تتدبر أمورها، وترتضي بالقليل القليل، وهي بالضبط من يطلق عليها أهل البلاد لقب «الأسر المتعففة» التي لا تستجدي ولا تتسول ويخجل أفرادها من الظهور بمظهر أنهم أهل حاجة أمام الناس، رغم حاجتهم لكل مقومات الحياة.
أسرة عربية فقيرة في إحدى المناطق أفطرت في يوم رمضاني على طبق من الأرز البرياني لخمسة أفراد جاءها من مصدر خير، وكميته المتواضعة نضعها أمام طفل من أطفالنا على مائدة الإفطار ونحاول بكل الطرق أن نجبره على أكل محتوياته.
وأسرة فلسطينية في قطاع غزة مكونة من ستة أفراد وأب مقعد، أفطرت بلا مبالغة – والله على ما نقول شهيد – على طبق فول مدمس قيمته نحو ثلاثة دراهم فقط، وهو حال عشرات الآلاف من الأسر التي أعياها الحصار الصهيوني للقطاع، وباتت لا تجد حتى الفتات، ورغم ذلك تقبل بالحياة المريرة ولا ذل السؤال.
الإمارات بلد خير، وشعبها كريم ومعطاء ولا يحتاج لهذه الشهادة من أحد، فأفعاله تسبق أقواله، وقيادته الكريمة تستثمر في العطاء ومد يد الخير والمعروف الى كل بقاع الدنيا، وتهتم بجميع الفئات الاجتماعية محدودة الدخل، تلك التي أوصى بها خيراً صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة قبل نحو عامين في افتتاح فصل تشريعي جديد للمجلس الاستشاري الوطني، والاهتمام بها، وتشمل المسنين والمطلقات والأرامل والأيتام والباحثين عن العمل، ومن لم يكملوا تعليمهم، ولعل مشروع الأسر المنتجة المطبق في الإمارات هو خير وسيلة للاستغناء عن السؤال وحفظ الكرامة.

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى