الأصولية في العالم الإسلامي.. المرجعية…..و معضلة السلوك
بقلم: جمال الأسود
لا تقتصر تسمية الأصولية على التيارات الإسلامية وحدها، فهي اصطلاحا يعني الـتأصيل والتأسيس fondamentalisation والرجوع إلى الأصل في الاعتقاد والسلوك، ولا يمكن الإمساك بتاريخ محدد لنشوئها نظرا لارتباطها أيضا بجماعات مسيحية ويهودية ولدى هنود أسيا، إنما جعل منها الإسلام السياسي في العالم الإسلامي ظاهرة تكاد تقتصر عليه، ورغم أن التمدن والحداثة والعلمانية ارتبطت بقيم إنسانية ساهمت في الارتقاء بالحياة الإنسانية، ودعمت الحرية والعدالة والتقدم، وأعطت الفكر المتنور الناقد مكانته وحررته من الإتباع، وحاولت هذه القيم أن تجعل من الإنسان صاحب القرار في تقرير مصيره، إلا أن طغيان المال والتكنولوجيا وتطور عالم الاتصال خلق نماذج مربكة من الاغتراب لدى الإنسان نتيجة تحول كل القيم العقلانية والإنتاجية إلى قيم السوق والاستهلاك، وهو ما زعزع معنى الوجود والقيمة لدى الإنسان، وجاءت الدعوة من جراء ذلك إلى تقويض الحداثة وإيديولوجيتها، إذ ظهر ذلك أيضا في المجتمعات الغربية، وحتى بين النخب المثقفة، بينما في العالم الإسلامي ظهر الكثير من خيبات الأمل رافقت إيديولوجيات العلمانية خاصة بعد التحرر الوطني، وظهرت مشاعر الغبن والاحتقان، وظهر نتيجة ذلك سلوك انفعالي لدى النخب والعامة، وبرزت في الحكم منظومة دكتاتورية تدعي امتلاك الحقيقة، وادعت التيارات الإسلامية أنها تقود صحوة على أنها حركة تصحيحية تدعو للعودة إلى أصول الدين الذي يجب تطبيق تعاليمه في السلوك والحياة حسب قناعاتها، ولم يعط هذا التيار للتركيبة المتنوعة للمجتمع بما فيها من عصبيات وأفكار وإيديولوجيات ونخب معادية أي أهمية، مما خلق حالة من التصادم مع الداخل لم يلبث أن تحول إلى صراع مع الأخر في الداخل والخارج، وانتقلت هذه الجماعات إلى تقديم نفسها للمجتمع كبديل عن إفلاس مشاريع التحرير الوطني والديمقراطية، وكردة فعل على تفاقم القهر السياسي والاجتماعي، وقد ادعت باسم الدين أنها تملك مشروع الخلاص، ويبدو الخلاص عندها هو العودة إلى الدين، ونظرا للارتباك الذي ساد في فترات متقطعة بعض الأقطار العربية والإسلامية بعد خروج المستعمر، ثم فشل المشاريع الوطنية فان هذه الجماعات ارتأت أن يكون الدين مشروعا وجوديا وسياسيا، وفي خضم هذا الحراك لم تنتبه هذه الجماعات إلى خلافاتها الفقهية المدمرة التي قادت إلى العنف الذي بدأ بين صفوفها ثم أنتقل إلى العامة، حيث تكونت جحافل من المتعصبين متشبثة بالوهم و تمارس العبث، وقوبلت عندها بالعنف اللفظي من طرف الايدلوجيات المعادية ومن المجتمع أيضا، مما أدى إلى تكاتف وتعاون بين النخب السياسية والثقافية وحتى الأمنية لإيقاف هذا العبث، وواصلت الجماعات الأصولية إنتاج مزيد من الشعارات التي تحولت مع مرور الوقت إلى مسلمات يقينية ومرجعية للبؤس السياسي والإجتماعي، ويحدث باستمرار رفض متبادل أيضا بينها و بين الإسلام السياسي الذي يتقاسم معها المرجعية المتمثلة في الدين، ونظرا لمعاناته من الفقر المعرفي وارتباطه بتقاليد المجتمع فإن هذا الإسلام السياسي يتعرض باستمرار إلى انقسام متتالي، مما يتعذر إحصاء فرقه وتكتلاته التي عششت وأفرخت جحافل من المتعصبين، اذ يرى ماينا أندريه استاذ علم النفس – أن المتعصب يجد وسيلة اطمئنان داخل منظومة القيم، وهذا ما يمنحه الإذن بإطلاق نزواته العدوانية بفضل يقينه بأنه مالك الشريعةّ-، هكذا يبدو أن الجماعات الأصولية في العالم الإسلامي تمارس سلوكًا يتنافى تماما مع مرجعية يقدسها المجتمع.