الأكراد والمحيط والمسؤوليات المشتركة
محمد نور الدين
عرفت المسألة الكردية في الشرق الأوسط تعقيدات كثيرة، وتداخلت العوامل المؤثرة فيها. والعلاقة بين الأكراد ومحيطهم، الذي يتواجدون فيه شابتها مغالطات وشكوك تحتاج إلى تشخيص أكثر دقة، ومقاربة أكثر عقلانية.
– للأكراد حقوق إنسانية وتطلعات حقيقية وقوية ويجب تفهم ذلك بصورة مطلقة ودون أي عقدة من أي نوع كانت.
– على الرغم من التقاطعات المشتركة والتأثيرات المتبادلة فإن مسارات القضية الكردية مختلفة، الواحد عن الآخر بحسب البلد، الذي يتواجدون فيه سواء من ناحية التطور التاريخي أو التاريخ النضالي أو طبيعة المكونات والسلطات التي أمامهم. وما يمكن أن يسري على تركيا قد لا يسري على إيران أو العراق أو سوريا. وبالتالي فإن مراعاة هذه التمايزات والخصوصيات يصوب كل مسار.
– الخروج من التعاطي مع الكردي بعين الريبة وبأنه ينفّذ أجندات خارجية، وأنه مجرد عميل لأمريكا أو «إسرائيل». الكردي أصيل تاريخياً وحضارياً وهو ابن هذه المنطقة قبل حلول الكثير من الأكثريات في ربوعها، خصوصاً عندما نجد أن بعض هذه الأكثريات وللأسف هي التي تنسج علاقات التحالف مع العدو «الإسرائيلي» والغرب الأمريكي.
– التعاطي مع هذه القضية بالقوة والعنف ليس حلاً بين مكونات داخل كل بلد أو بين شعوب متجاورة. وأكبر هدية يمكن أن تقدمها الدول التي يتواجد فيها الأكراد إلى المشاريع الخارجية أن يجد الكردي دمه يراق على يد مكون شريك في الوطن أو على يد دولة مجاورة. إن أكبر خطأ ترتكبه دولة ما أن تشعر بفائض قوة، وأن تظنّ بالتالي أنها تستطيع إنهاء هذه القضية بالقوة.
– على الكردي أن يفهم ويقدّر أن معركة استقلاله محقة على أن تكون نظيفة، وألّا يلعب بالمحرمات من قبيل تحويل دولته إلى قاعدة توظفها قوى خارجية وإقليمية ضد دول الجوار الأخرى. وعلى الأكراد ألّا يشعروا أنهم تحت ضغط الظروف هم أمام فرصة قد تضيع. فما يكسبونه اليوم بقوة العامل الخارجي (الأمريكي تحديداً) قد يخسرونه غداً وبحجم أكبر.
– على الأكراد أن يدركوا ويعوا لمرة واحدة ونهائية أن الخارج، أي خارج، لا يشكل ضمانة لهم لتحقيق تطلعاتهم إلا بمقدار ما يكونون كيانات وظيفية.ولا أعتقد أن أي كردي يقبل بأداء هذه الوظيفة. وبما أن الخارج ينظر إليهم كوظيفة فهو مستعد للتخلي عنهم في أي لحظة، من التخلي الروسي عن مهاباد في إيران إلى التخلي الأمريكي عن البرزاني عام 1975 وفي الاستفتاء على الانفصال في العراق في سبتمبر/أيلول 2017، وكما يحصل اليوم في عفرين في سوريا؛ حيث تشارك الروس، والأمريكيون في التخلي عنهم.
– وحدها الدولة الوطنية هي التي يفترض أن تحمي وتوفر الدفء والأمان والاستقرار لأبنائها في ظل الانتقال إلى أنظمة ديموقراطية ومواطنة كاملة وعدالة اجتماعية وحريات عالية المنسوب، فلا يشخصون بأنظارهم إلى الخارج والغريب أو إلى انتهاج العنف سبيلاً.
– وهذا يعيدنا إلى المربع الأول، الذي انطلقت منه؛ وهو أن القضية الكردية في المنطقة العربية والإسلامية هي قبل أي شيء آخر جزء من معضلة العلاقة بين الأكثريات والأقليات. ومع أنه مطلوب من الأكراد الحكمة والصبر وعدم التسرع في توفير ذرائع للأكثريات لسلوك متطرف وإلغائي ضدهم، فإن المسؤولية الأكبر في المقابل تقع على عاتق الأكثريات الكبرى في المنطقة، التي تتعاطى بأسلوب إلغائي ضد الأقليات. وعليها، (أي الأكثريات)، التخلي عن هذه الذهنية الإلغائية، وعدم استسهال إلقاء اللوم على «إسرائيل» وتجاهل أن المسألة الكردية موجودة في الدول التي يوجدون فيها كافة قبل تأسيس «إسرائيل»، وقبل ظهور الولايات المتحدة قوة فاعلة في الساحة الدولية في الحرب العالمية الثانية.
– إن التحدي الأساسي أمام الأكثريات والأكراد هو التوفيق بين وحدة الأراضي وتلبية تطلعات الهوية لدى الأكراد، وما إذا كان التعبير بحرية عن الهوية يتطلب الانفصال فعلاً أم إنه من الممكن في إطار وحدة الأرض والدولة؟.
– تحتاج المسألة الكردية في المنطقة عموماً إلى مقاربة دقيقة وحساسة تأخذ في الاعتبار أبعادها المختلفة التاريخية والمعاصرة والتوازنات الإقليمية والدولية وأي خلل في هذه المقاربة قد يفتح على حروب مأساوية وخرائط جديدة. والتوفيق بين هذه الاعتبارات ليس بالسهولة؛ فالمسألة الكردية متشعبة وتتداخل فيها تعقيدات كثيرة تمتد عبر التاريخ الحديث؛ ولكنه أيضاً ليس مستحيلاً.