الإعلام الأمريكي ..وقضية القدس
آدم جونسون*
إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل» ينقض عقوداً من سياسة أمريكية، ويتخلى عن أي ادعاء بحياد الولايات المتحدة في مفاوضات «السلام» بين الفلسطينيين و«إسرائيل».
بالرغم من ذلك، عبر القسم الأكبر من المؤسسة الإعلامية الأمريكية، وكذلك وسائل إعلام غربية أخرى، عن الابتهاج بقرار ترامب وواصل الترويج لوهم أن «صفقة سلام» لا تزال ممكنة تماماً بين «إسرائيل» والفلسطينيين.
و«الاعتراف» الأمريكي بالقدس كعاصمة لـ«إسرائيل» يدعم الاحتلال «الإسرائيلي» للأراضي الفلسطينية وممارسات التطهير العرقي والاستيطان في هذه الأراضي. غير أن وسائل إعلام رئيسية مثل صحيفتي «نيويورك تايمز» و«واشنطن بوست» وشبكة «سي ان ان» قللت في تقاريرها وتعليقاتها من شأن مسائل جوهرية، وحتى تجاهلتها.
وهكذا شاهدنا شبكة «سي بي اس» وهي تتحدث عن المخاوف من أعمال عنف ردا على الاعتراف بالقدس كعاصمة لـ «إسرائيل». وبدوره، قال موقع «ديلي بيست» الإخباري الأمريكي إن «وزارة الخارجية الأمريكية حذرت من أن إعلان الرئيس ترامب بشأن القدس يمكن أن يفجر عنفا». وفي بريطانيا أيضاً تحدثت مجلة «ذا ويك» عن «تحذيرات من أعمال عنف، بينما تستعد إدارة ترامب لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس». أما موقع «بوليتيكو» الإعلامي الأمريكي، فقد نشر تقريراً جاء فيه أن «ترامب يقول إن الولايات المتحدة تعترف بالقدس عاصمة لـ«إسرائيل»، وذلك بالرغم من الإدانات الدولية. وقد حذر زعماء عالميون ترامب من أن قراره هذا يمكن أن يطلق شرارة عنف ويضع عقبة كبرى أمام عملية السلام «الإسرائيلية» الفلسطينية. واستخدمت صحيفتا «نيويورك تايمز»، و«واشنطن بوست» لغة مماثلة، إذ قالت الأولى إن قرار ترامب «يمكن أن يفجر عنفا، بما في ذلك ضد أمريكيين»، بينما قالت الثانية إن القرار الأمريكي «يمكن أن يشكل تحريضاً على العنف». ولكن أياً من الصحيفتين لم تعترض على قرار ترامب، ولا على الاحتلال «الإسرائيلي» الغاشم وغير الشرعي للقدس الشرقية. وعبرت كلتا الصحيفتين عن الكثير من القلق، ولكن أيا منهما لم تنتقد، دع عنك أن تدين، قرار ترامب بالخروج عن السياسة الأمريكية التقليدية وانتهاكه للقانون الدولي.
وفي الواقع، عندما يتعلق الأمر بمسألة «إسرائيل» فلسطين، تركز وسائل الإعلام على ردود الفعل على الباطل، وليس على الباطل بحد ذاته. ونادراً ما تشير وسائل الإعلام إلى عدم شرعية احتلال «إسرائيل» للقدس الشرقية. كما تجاهلت وسائل الإعلام هذه واقع أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تعترف بالقدس كعاصمة ل«إسرائيل»، وواقع أن قرار الأمم المتحدة في 1947 (رقم 181) بشأن تقسيم فلسطين وضع القدس وبيت لحم والأراضي المجاورة تحت وصاية دولية – أي أن هذه المنطقة تشكل أراضي منفصلة بموجب الولاية القانونية الدولية.
كما تجاهلت وسائل الإعلام هذه واقع أن مجلس الأمن الدولي استنكر بصورة متكررة إعلان «إسرائيل» ضم القدس الشرقية في 1967، وقرارها في 1980 بإعلان المدينة عاصمة لها. ووسائل الإعلام الغربية تجاهلت أيضا الإطار العام لـ 60 عاماً من الاحتلال العسكري، وكذلك انتهاكات «إسرائيل» للقوانين الدولية على أساس يومي، بما في ذلك طرد سكان فلسطينيين من الأراضي المحتلة والقدس الشرقية ونقل مئات آلاف المستوطنين إلى الأراضي المحتلة منذ 1967.
بدلاً من ذلك، التركيز الأول لوسائل الإعلام هذه ينصب الآن على إمكانية «تفجر عنف في المنطقة»، ما يوحي بنزوع العرب إلى العنف. وحسب شبكة «ان بي سي»، فإن «الشرق الأوسط هو الآن على حافة هاوية»، بينما رأت «واشنطن بوست» ومحطة ال«بي بي سي» البريطانية أن «المصادمات تتصاعد». وفي كل تعليقات وسائل الإعلام هذه، لم نقرأ شيئاً عن أنشطة المجتمع المدني لمقاومة العدوان «الإسرائيلي»، ولا عن حركة مقاطعة «إسرائيل» السلمية على المستوى العالمي. كما لم يرد أي ذكر لدعوات النشطاء الفلسطينيين إلى التضامن والنضال السلمي.
لقد انصب التركيز على «العنف» من أجل تصوير الفلسطينيين كأناس تحركهم فورات غضب، وليس كأناس عانوا طوال عقود من التشرد، والاحتلال، والتمييز، بينما أقوى دولة في العالم تتجاهل ممارسات «إسرائيل» ضد الفلسطينيين وكأنهم أناس مجردون من الصفات الإنسانية، وتغدق الأموال والأسلحة على قوة الاحتلال «الإسرائيلية».
*صحفي وكاتب أمريكي – موقع «كومون دريمس»