الإعلام العالمي يشوه النضال الفلسطيني
غريغوري شوباك *
تقول وسائل الإعلام العالمية التي تغطي أحداث الصراع بين الشعب الفلسطيني و«إسرائيل»، إنها تقدم تغطية إعلامية «متوازنة» لهذه الأحداث. ولكن تقاريرها تفتقر في الواقع للتوازن.
منذ أن بدأ الفلسطينيون مسيرة العودة الكبرى في 30 مارس/آذار، قتلت «إسرائيل» 217 فلسطينياً في غزة، بينهم 163 كانوا يشاركون في المسيرات. وبين القتلى (الشهداء) 33 طفلاً، وثلاثة مسعفين طبيين، وأربعة أشخاص كانوا يعانون إعاقات. كما أصابت النيران «الإسرائيلية» 11155 فلسطينياً، كثيرون منهم سيبقون مشوّهين مدى الحياة.
ومحاولة وسائل الإعلام العالمية وصف تغطيتها للأحداث بأنها «متوازنة»، تتعارض مع الوقائع على الأرض، حيث إنها تتجاهل العديد من الاختلافات الأساسية: بين مستعمرين وخاضعين لاستعمار، وبين طرف يضطهد وشعب يقاوم الاضطهاد، وبين قوة عسكرية تعتبر عظمى إقليمياً من جهة، ومتظاهرين غير مسلحين أو يحملون أسلحة يدوية غير فتاكة من الجهة الأخرى.
ويتم إخفاء هذه التباينات بتقديم الصراع الفلسطيني – «الإسرائيلي» عبر تقارير تستند إلى «مصادر قالت»، وتجعل من المستحيل عرض حقيقة ما يجري، ألا وهو تطهير عرقي وفصل عنصري من جهة، ومقاومة شعبية من الجهة الأخرى.
وكمثال بارز، في يوم 28 سبتمبر/أيلول 2018، قتل «الإسرائيليون» سبعة متظاهرين فلسطينيين، كان بينهم طفلان، فأوردت وكالة «رويترز» تقريراً تضمن فقرة من 43 كلمة، عرضت ما حدث في ذلك اليوم على النحو التالي: «قتل حوالي 200 فلسطيني منذ بدء مظاهرات الاحتجاج في غزة يوم 30 مارس/آذار للمطالبة بحق العودة إلى الأراضي التي فرت منها أو طردت منها عائلات فلسطينية عندما أعلنت «دولة إسرائيل» في 1948».
وتضمن تقرير الوكالة فقرة أخرى من 35 كلمة عرضت «الوقائع» من منظور «إسرائيلي» بدا وكأنه بيان حقائق:
«كان قناص من غزة قد قتل جندياً «إسرائيلياً» خلال تظاهرة احتجاج (فلسطينية) سابقة، في حين استخدم فلسطينيون طائرات ورقية ومناطيد مسيَّرة بغاز الهيليوم لإشعال حرائق على الجانب الآخر من السياج الحدودي، ما أدى الى تدمير جزء من غابة وأرض زراعية في إسرائيل».
إن عرض النزاع الفلسطيني – «الإسرائيلي» بمثل هذه الطريقة «المتوازنة»، ينطوي بالضرورة على إغفال وحذف. والدليل على ذلك هو الفقرة السابقة التي عرضت «الأسلحة» التي استخدمها الفلسطينيون («طائرات ورقية ومناطيد… لإشعال حرائق»)، ولكنها بالكاد أشارت إلى الأسلحة التي استخدمتها «إسرائيل» – من طائرات حربية، وطائرات مسيّرة، ومروحيات، إضافة إلى الحصار البحري والبري – من أجل قمع مظاهرات الفلسطينيين، وتثبيت نظام فصل عنصري، ومنع اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم.
إن «توازناً» إعلامياً زائفاً بين الفلسطينيين و«الإسرائيليين» هو «توازن» منحاز في الواقع إلى جانب «إسرائيل»، لأنه يقلل من خطورة المظالم التي يتعرض لها الفلسطينيون من جانب «إسرائيل».
و«التوازن» لا بد أن يوجه التغطية الإعلامية للأحداث المرتبطة بالمسألة الفلسطينية – «الإسرائيلية». وبدلاً من الإدعاء بأن أعمال الفلسطينيين و«الإسرائيليين» متساوية كمّاً ونوعاً، فإن المطلوب هو تقديم رواية صادقة للأحداث. وهذا يستتبع بالضرورة عرض ما أنزلته «إسرائيل» بالفلسطينيين من قتل واضطهاد ومصادرة أراضٍ.
* بروفيسور الدراسات الإعلامية بجامعة غويلف – همبر بمدينة تورنتو في كندا – موقع «فير» (https://fair.org)