قضايا ودراسات

الاحتلال يروِّج لمؤتمر الوطن البديل

بدأ اليمين «الإسرائيلي» الترويج لمؤتمر يعقده في القدس المحتلة في أواسط أكتوبر/تشرين الأول المقبل تحت عنوان «الأردن هو فلسطين» أو «الوطن البديل» بمشاركة شخصيات وأعضاء «كنيست» من اليمين المتطرف وأكاديميين يهود بينهم أمريكيون وثلاث شخصيات أردنية غير معروفة وصفتها مصادر «إسرائيلية» بأنها «معارضة». وحتى لا نباغت بمثل هذا المؤتمر الذي يجسد الفكر اليميني الحاكم في الكيان فإن فكرته مستوحاة من وثيقة صهيونية قديمة وضعت في الثمانينات بهدف تفتيت الدول العربية إلى دويلات عرقية ومذهبية، ما يتيح ل«إسرائيل» الهيمنة على المنطقة. فالمخطط «الإسرائيلي» هو تكملة لمخطط كامبل رئيس وزراء بريطانيا في مطلع القرن الماضي، الرامي إلى منع توحيد العالم العربي وحجب العلوم عنه واستغلال ثرواته وإقامة كيان في وسطه يمنع توحيده مستقبلاً. وأدى ذلك إلى وعد بلفور لاحقاً وسايكس- بيكو لتقسيم العالم العربي. ثم ظهرت أفكار البريطاني برنارد لويس المنظر السياسي اليميني لعهد بوش الذي دعا لتقسيم العالم العربي إلى ثلاثين دويلة عرقية ومذهبية. وبنى لويس مخططه هذا انطلاقاً من دراسته الطويلة لبنى العالم العربي وتأليفه لعشرات الكتب عن الشرق الأوسط خاصة اهتمامه بنظم الحكم أيام الدولة العثمانية.
نذكر من أهم كتبه: «حرب مندسة وإرهاب غير مقدس» و«أزمة الإسلام» و«مستقبل الشرق الأوسط» و«العرب في التاريخ» و«الحداثة في الشرق الأوسط الجديد»… الخ. وبالنسبة إليه فإن التركيبة القبلية والعشائرية للدول العربية على مر السنين جعلته يجزم بأنه من المستحيل على العرب تكوين دولة بالمعنى الحديث. وذلك لأنهم مؤسسون على مجتمع محكوم بالنظام القبلي الطائفي. ويرى أن على أمريكا استثمار هذه التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية لصالح مصالحها الاستراتيجية بالمنطقة، كما يتوقف الأمر أيضاً على حسن استعمالها لسياسة «فرق تسد».
وفي نفس الإطار نقل عن برنارد لويس ما يلي: «إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مُفسدون فوضويون لا يمكن تحضيرهم.. وإذا تُركوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقوض المجتمعات.. ولذلك فإن الحل السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم… ويضيف: «ولذلك فإنه من الضروري إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية.. ولا داعي لمراعاة خواطرهم أو التأثر بانفعالاتهم وردود أفعالهم… ويجب أن يكون شعار أمريكا في ذلك»: «إما أن نضعهم تحت سيادتنا أو ندعهم ليدمروا حضارتنا.. ولا مانع عند إعادة احتلالهم أن تكون مهمتنا المُعلنة هي تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية». وهذا الشعار هو الذي استخدم من قبل إدارة بوش لدمقرطة العالم العربي وعند احتلال العراق.
ولعل تفجير ما يسمى ب«الربيع العربي» جاء في هذا السياق خاصة بعد الفوضى التي اجتاحت العراق بعد احتلاله، وكان العراق بمثابة تجربة ناجحة للمخططين الغربيين اكتشفوا عن طريقه مآلات الوضع المستقبلي لكل دولة عربية بحيث تكون قابلة للتفتيت. وكان «الإسرائيليون» سباقين في وضع الخطط حيث وضعوا في مطلع الثمانينات دراسة مفصلة عن وضع كل دولة عربية وتفتيتها إلى دويلات صغيرة مذهبية وعرقية ما يتيح للكيان «الإسرائيلي» الهيمنة على المنطقة، لكن المخطط «الإسرائيلي» بدأ بالتركيز على مصر. وجاء في المخطط، ﺇﻥ ﻣﺼﺮ ﺑﻄﺒﻴﻌﺘﻬﺎ ﻭﺑﺘﺮﻛﻴﺒﺘﻬﺎ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﺪﺍﺧﻠﻴﺔ الحالية ﻫﻲ بمثابة «ﺟﺜﺔ ﻫﺎﻣﺪﺓ»، وﺇﻥ ﺩﻭلاً ﻣﺜﻞ ﻟﻴﺒﻴﺎ ﻭﺍﻟﺴﻮﺩﺍﻥ ﻭﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻷﺑﻌﺪ ﻣﻨﻬﺎ ﺳﻮﻑ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ لها وجود، ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎ ﺗﻔﻜﻜﺖ ﻣﺼﺮ ﻓﺴﺘﺘﻔﻜﻚ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻹﻗﻠﻴﻤﻴﺔ.
وإن المخطط «الإسرائيلي» كان في العراق ثم ليبيا وسوريا، لكنه اصطدم بالواقع المصري العنيد ربما لأن المخطط نفسه في سياق استعراضه للوضع في مصر آنذاك أشار إلى أن القطاع المنضبط الوحيد في مصر هو الجيش، لذلك تحول الجيش إلى ملاذ للشعب المصري بعد سقوط مصر في قبضة «الإخوان».
المخطط «الإسرائيلي» استعرض الأوضاع في كل قطر عربي ووضع سيناريوهات التفتيت بما فيها شبه الجزيرة العربية، لكنه أشار إلى أن بشائر التقسيم والحرب الأهلية ستكون في العراق، ثم ركز على لبنان كأول دولة يمكن تقسيمها إلى خمس دويلات طائفية، ولكن لبنان نجح في تخطي التقسيم رغم غزوه من قبل «إسرائيل» ونجح في تجاوز تبعات الربيع العربي وصمد حتى الآن بينما انهارت دول أخرى.
بقي هناك ما يخص الملف الفلسطيني الأردني، حيث دعا المخطط إلى قلب نظام الحكم في الأردن ومنح السلطة للفلسطينيين، ومنع أي نوع من الحكم الذاتي للفلسطينيين غربي النهر وتهجيرهم إلى الأردن. وهذا لب المؤتمر الذي دعا إليه اليمين «الإسرائيلي» الذي يروج لفكرة أنه لا سلام إلا بالاعتراف بوجود اليهود بين النهر والبحر وأن المكان الطبيعي للعرب هو شرق الأردن. فالمخططات الغربية التفتيتية مستمرة وتتجدد في كل مرحلة.

حافظ البرغوثي
hafezbargo@hotmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى