قضايا ودراسات

البرازيل يميناً..ماذا عن «بريكس»؟

إلياس سحّاب

من أكثر المناطق الخارجية، التي تهتم بها سياسة واستخبارات دولة الولايات المتحدة، منطقة أمريكا اللاتينية، التي طالما اعتبرتها الدولة الأمريكية حديقتها الخلفية. ولقد مرت عقود كانت فيها السياسة الخارجية للولايات المتحدة شديدة الاطمئنان إلى جميع أو معظم دول هذه الحديقة الخلفية، عندما كان النفوذ الأمريكي ينجح في إقامة أنظمة حكم يمينية في دول أمريكا الوسطى وأمريكا الجنوبية، خاصة في النصف الأول من القرن العشرين.
لكن تحولات الظروف الدولية في النصف الثاني من القرن العشرين، خاصة في فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة من جهة والاتحاد السوفييتي (السابق) من ناحية أخرى، حملت معها تحولات ساعدت التطور الداخلي الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في دول أمريكا اللاتينية على تبديل بعض هذه الأنظمة اليمينية بأنظمة يسارية، من أمريكا الوسطى حتى أقصى جنوب أمريكا الجنوبية في تشيلي والأرجنتين والبرازيل.
وحتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ظلت التحولات الداخلية في دول أمريكا اللاتينية تشهد تواصل موجة صعود أنظمة الحكم اليسارية لتحل محل أنظمة الحكم اليمينية، ولعل أبرز نماذج هذه التحولات صمود النظام الاشتراكي في دولة كوبا، وفي خضم هذه التحولات، استقر في دولة البرازيل، أكبر دول أمريكا اللاتينية، وأكثرها سكاناً، نظام حكم يساري استمر طيلة العقود الثلاثة الأخيرة. لكن النظام اليساري في دولة البرازيل ترنح في السنوات الأخيرة، بعد نجاح اليمين، في سجن الرئيس السابق لولا، الذي كان وما زال يتمتع بشعبية واسعة لدى مختلف فئات الشعب البرازيلي.
حتى جاءت الانتخابات الرئاسية الأخيرة ، لتضع في مقعد مرشح حزب العمال البرازيلي اليساري، مرشحاً متوسط الشعبية ينتمي إلى عائلة حداد، من المهاجرين اللبنانيين إلى البرازيل، بعد أن فشلت كل محاولات الإفراج عن لولا، زعيم حزب العمال القوي، وذلك في مواجهة مرشح قوي ينتمي إلى اليمين المتطرف، هو عسكري سابق، استفاد كثيراً من سنوات تراكم المشكلات الاجتماعية والأمنية والاقتصادية للنظام البرازيلي اليساري.
تمكن النظام اليساري في عهد لولا ثم في عهد خليفته روسيف، من تحقيق إنجاز خارجي كبير في مواجهة النفوذ الأمريكي، فانتمت البرازيل إلى تجمع دولي كبير، قام في وجه النفوذ الأمريكي الشمالي، الذي هيمن على منصب احتكار الزعامة الدولية. وقد تشكلت هذه المجموعة الدولية الكبرى من: البرازيل، روسيا، الهند، الصين، وجنوب إفريقيا (بريكس).
ومع أن عمر هذا التجمع الدولي ما زال يقاس بعدد ضئيل من السنوات، فقد استطاع أن يثبت نفسه في المجال الدولي في مواجهة عربدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في فرضه سياسة خارجية جديدة، مطبقاً العقوبات الاقتصادية ذات اليمين وذات اليسار، على كل دولة في العالم.
لكن تطور الظروف الداخلية في البرازيل، شاء أن ينتصر مرشح اليمين المتطرف في الانتخابات الرئاسية البرازيلية التي جرت مؤخراً، ما يشير إلى تحول كامل في اتجاهات نظام الحكم في البرازيل.
صحيح أنه لم يتح بعد للرئيس البرازيلي الجديد أن يمارس تحولات منظورة في السياسة الداخلية والدولية، غير أن كل المعلومات عن رصيده السياسي، تشير إلى أنه من «عشاق» أمريكا و«إسرائيل»، بدليل أنه كان في أثناء حملته الانتخابية يعلن بوضوح أنه إذا أصبح رئيساً جديداً للبرازيل، فإن أول قرار سيتخذه هو نقل السفارة البرازيلية في فلسطين المحتلة من تل أبيب إلى القدس.
في ظل مقدمات كهذه لا نستغرب أن لا يتأخر هذا الرئيس في اتخاذ قرار انسحاب البرازيل من التجمع الدولي الذي يحمل اسم «بريكس»، في توقيت لن يستغرق زمناً طويلاً، الأمر الذي سيحمل تحولاً لمصلحة السياسة الأمريكية التي سيواصل دونالد ترامب اتخاذها.

زر الذهاب إلى الأعلى