مقالات عامة

«البريكست» والالتزام الديمقراطي

فيصل عابدون

بعيداً عن كافة التفاصيل المربكة وحسابات الربح والخسارة المرتبطة بالخروج البريطاني عن عضوية الاتحاد الأوروبي، فإن عملية البريكست تعتبر في حد ذاتها الممارسة الديمقراطية الأهم والأشد إثارة التي تمر بها الديمقراطيات الغربية منذ عقود طويلة.
لقد وضعت نتائج استفتاء الثالث والعشرين من يونيو 2016 بريطانيا أمام تحديات هائلة اقتصادية وتجارية وأمنية وانقسامات سياسية غير مسبوقة كما هددت وحدتها ووضعتها تحت خطر التفكك والانشطار.
ويقول الخبير الأمريكي جيفري ساكس إن «العواقب على المدى القصير لبريكست واضحة بالفعل: لقد انخفض الجنيه الاسترليني إلى أقل مستوى له منذ 31 عاماً. وفي المدى القريب، ستواجه مدينة لندن شكوكا كبيرة، وفقدان الوظائف، وانهيار المكافآت. وستنخفض قيم العقارات في لندن. ويضيف أن الآثار المحتملة على المدى البعيد في أوروبا هائلة للغاية – بما في ذلك استقلال اسكتلندا المرجح، واستقلال كاتالونيا المحتمل، وانهيار حرية تنقل الأشخاص في الاتحاد الأوروبي، وتصاعد السياسة المعادية للمهاجرين. وقد تعقد بلدان أخرى استفتاءات خاصة بها، والبعض قد يختار المغادرة»..
كما أشار أحد التقارير التي أوصى بها عمدة لندن، صادق خان، إلى أن عدم الوصول إلى توافق بريطاني – أوروبي حول مسألة «بريكست» سيؤدي إلى خسائر في الاستثمارات في الجانب البريطاني بقيمة 56 مليار يورو. ويضيف التقرير الصادر عن مؤسسة «كامبردج إيكونومتريكس» أن غياب التوافق قد يتسبب بخسارة نصف مليون وظيفة كذلك.
وكان الحل الأسهل والأكثر أماناً لتفادي الخسارة والاحتمالات السيئة الأخرى أن تتراجع الحكومة البريطانية عن الخطوة وتستأنف علاقاتها بالاتحاد على أساس المميزات التفضيلية في اتفاق رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون مع القادة الأوروبيين في بروكسل، والذي منح بريطانيا وضع الدولة الأوروبية العظمى مع إعفائها من المساهمة في أي عملية إنقاذ مالية ضمن عضوية الاتحاد ومنحها صلاحيات أكبر للسيطرة على الهجرة غير الشرعية.
التراجع عن نتائج استفتاء البريكست كان هو الحل الأسهل لكن تيريزا ماي فضلت الانتصار للديمقراطية في هذا الامتحان الصعب والمضي قدماً في تحقيق إرادة الأغلبية رغم وعورة الطريق والمخاطر العديدة المحدقة.
وبينما يترقب العالم كله فصول المباراة الجارية بين طرفين يخشى كل منهما الخسارة، فإن الالتزام بالديمقراطية قيمة حضارية والإيفاء بعهودها وتعهداتها هو الدرس الذي تقدمه بريطانيا للعالم من خلال مغامرة «البريكست» الخطرة وشديدة الإثارة في آن معاً. وخلال الأيام والأسابيع القادمة تستعد رئيسة الوزراء للقيام بمبادرات داخلية لإنهاء الانقسام الداخلي الذي يهدد الحكومة والتوجه للرأي العام مع قادة حزبها الحاكم عبر سلسلة مخاطبات لتوحيد الرؤى وتوضيح التفاصيل التي لا تزال غامضة حول خططها في المفاوضات الشائكة مع الاتحاد الأوروبي.

Shiraz982003@yahoo.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى