مقالات عامة

البكاء على ما يحدث في سوريا

صادق ناشر

بدا مفتي النظام السوري أحمد بدرالدين حسون متأثراً بمقتل الطيار الروسي رومان فيليبوف، الذي أسقطت طائرته في منطقة إدلب قبل أيام، حيث وصفه ب «الخسارة»، قائلاً أمام وفد ديني روسي شارك في مناسبة حكومية في العاصمة دمشق «لقد خسرنا طياراً رائعاً»، لكن روسيا لها كل الحق في غضبها ضد قاتلي الطيار، خاصة أن العملية نفذت من قبل عناصر «جبهة النصرة»، المصنفة جماعة إرهابية.
مهمة الطيار الروسي كانت بالطبع مهمة عسكرية، وتعرضه للقتل كان فرضية محتملة قبل أن يخرج في مهمته، ولا أحد يعلم كم من الأنفس البشرية تمكن من قتلها قبل أن تُسقط طائرته ويُقتل هو الآخر، فالحرب عادة ما تحصد أبرياء، وما يحدث في سوريا من حرب مدمرة منذ سبع سنوات، أظهرت الوجه البشع للإنسان، الذي لم يعد يفرق بين أهداف عسكرية مشروعة وأخرى مدنية يذهب ضحيتها أبرياء، بدليل أن مئات الآلاف قتلوا في هذه الحرب ولا أحد يعلم لماذا قتلوا، وما ذنب ملايين الناس الذين فروا إلى خارج سوريا، وعاشوا الحرمان والتشرد والضياع؟!
صحيح أن هناك قوى إرهابية تقاتل في سوريا، ومن حق النظام محاربتها ومواجهتها حفاظاً على الدولة من الانهيار، وهو أمر مشروع، لكن الحديث هنا يتعلق بالخسائر التي تحدث كل يوم في أوساط المدنيين، فالطائرات الحربية التي تسقط حممها من براميل البارود المتفجر، والصواريخ بمختلف أحجامها على رؤوس البشر بشكل يومي لا ينقطع وفي أكثر من منطقة، كما هو حاصل هذه الأيام في الغوطة الشرقية، على سبيل المثال، لا تفرق بين مدنيين وإرهابيين، والطيارون المشاركون في هذه الحرب لا يحددون أعداءهم بالاسم والصورة، فهم يرمون حمم النار كيفما جاء، والدليل على ذلك، الضحايا الكثر الذين يسقطون بشكل يومي في الأحياء السكنية في مناطق الصراع.
من المعروف أن العلاقة بين النظامين الروسي والسوري في أعلى درجاتها وقوتها، والخسائر الروسية في سوريا ليست قليلة، لذلك يبدو تدخل موسكو وصانعي قرارها في الحرب التي تدور في البلاد منذ سبع سنوات، الأكثر حضوراً بالعتاد العسكري والاستخباراتي، لمحاربة التنظيمات المتطرفة التي ينتمي منتسبوها إلى مناطق مختلفة من العالم، كما هو حال تنظيم «داعش» وإخوته، لكن الواقع يؤكد أن الكل يتصارع على الأرض السورية محدثين فيها خراباً ودماراً لا حدود لهما، فضلاً عن سقوط مئات الآلاف من الضحايا، وملايين المهجرين داخل سوريا وخارجها.
استمرار المعارك في حصد المزيد من الأبرياء في سوريا، ينزع عنها الطابع الأخلاقي والإنساني، ومن الواضح أن السوريين، نظاماً ومعارضة، منحوا الأجنبي فرصة للعبث في بلادهم ومقدراتها والتدخل في شؤونها، كما هو حاصل في بلدان عربية أخرى، فالنظام استعان بالأجنبي لحمايته من الانهيار والبقاء لمدة أطول، والمعارضة بأطيافها المختلفة لم تترك فرصة للالتقاء مع النظام على قواسم مشتركة لإخراج البلاد من دوامة الحرب، التي صارت تحصد الأخضر واليابس وتقفل أبواب التصالح الداخلي، لكنها تفتح الباب لصراع طويل الأمد.

sadeqnasher8@gmail.com

Original Article

زر الذهاب إلى الأعلى