التسامح قوة وليس ضعف
فادي عبدالسلام ابودية
يُعتبر ضبط النفس هو جوهر التسامح. فعندما نتسامح مع أي نشاط ، نقاوم رغبتنا في منع التعبير عن الأنشطة التي نجدها غير محببة بالقوة ، واستخدام وسيلة اقناع او تحاور اكثر تحضراً ، يمكن فهم التسامح على أنه ممارسة الفضيلة التي تعزز العلاقات بين افراد المجتمع وتنشر المحبة والود بينهم وتقوي بنيان المجتمع .
ونرى العديد من النظريات عن التسامح والفضيلة وكلها تأتي على لسان علماء الغرب مثل: ( سقراط ميلتون ، لوك ، ميل ، جون رولس ) والتي تأخذ المنحى الفلسفي الذي يعتمد في مجمله على التيارات السياسية والتصنيفات الاجتماعية للمجتمعات ، ويتأثر بشكل كبير جداً بما مرت به تلك المجتمعات ، في الوقت الذي تحمل فيه سيرة نبينا الكريم أجمل لوحات التسامح والمحبة ، ويحمل تاريخنا الإسلامي أروع صور التسامح التي سطرها عبر مسيرته الطويلة في الفتوحات الإسلامية ونشر رسالة الإسلام والتي كانت سبباً كبيراً في إعتناق الإسلام من قبل الأمم الاخرى ، ونذكر من سيرة نبينا الحبيب ما يلي :
عن ابن عمر ، أن رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (( المسلمُ أخو المسلمِ ، لا يَظْلِمُه ولا يُسْلِمُه ، ومَن كان في حاجةِ أخيه كان اللهُ في حاجتِه ، ومَن فرَّجَ عن مسلمٍ كربةً فرَّجَ اللهُ عنه كربةً مِن كُرُبَاتِ يومِ القيامةِ ، ومَن ستَرَ مسلمًا ستَرَه اللهُ يومَ القيامةِ)). رواه البخاري (2442) و مسلم (2580).
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : (( إيَّاكُم والظَّنَّ ، فإنَّ الظَّنَّ أَكذبُ الحديثِ ، ولا تحسَّسوا ، ولا تجسَّسوا ، ولا تحاسَدوا ولا تدابَروا ، ولا تباغَضوا ، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا)).
أخرجه البخاري (6064/5143).
عن النعمان بن بشير قال: قال صلى الله عليه و سلم : (( مَثلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم ، مَثلُ الجسدِ . إذا اشتكَى منه عضوٌ ، تداعَى له سائرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى)).
أخرجه البخاري (5665) و مسلم (2568).
عن أبي هريرة قال : قال صلى الله عليه و سلم : (( لا تحاسَدوا ، ولا تَناجَشوا ، ولا تباغَضوا ، ولا تدابروا ، ولا يبِعْ بعضُكُم علَى بيعِ بعضٍ ، وَكونوا عبادَ اللَّهِ إخوانًا المسلمُ أخو المسلمِ ، لا يظلِمُهُ ولا يخذلُهُ ، ولا يحقِرُهُ التَّقوَى ههُنا ويشيرُ إلى صدرِهِ ثلاثَ مرَّاتٍ بحسبِ امرئٍ منَ الشَّرِّ أن يحقِرَ أخاهُ المُسلمَ ، كلُّ المسلمِ علَى المسلمِ حرامٌ ، دمُهُ ، ومالُهُ ، وَعِرْضُهُ)). أخرجه مسلم (2564).
عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (( المؤمِنُ للمؤمنِ كالبُنيانِ، يشُدُّ بعضُه بعضًا. ثم شبَّك بين أصابِعِه. وكان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم جالسًا، إذ جاء رجلٌ يسأل، أو طالبُ حاجةٍ، أقبل علينا بوجْهِه، فقال: اشفَعوا فلْتُؤجَروا، وليقضِ اللهُ على لسانِ نَبيِّه ما شاء)).
أخرجه: البخاري (5680) و مسلم (2585).
عن ابن عباس قال: قال صلى الله عليه و سلم : (( اسْمَحْ يُسْمَحْ لكَ)). أخرجه الإمام أحمد (2233).
أنظر: صحيح الجامع (982) و صحيح الترغيب (1749).
عن معقل بن يسار قال: قال صلى الله عليه و سلم : (( أفضلُ الإيمانِ الصَّبرُ و السَّماحةُ)). أخرجه:الديلمي. أنظر : صحيح الجامع (1097) و الصحيحة (1495).
عن الزبير قال:قال صلى الله عليه و سلم : (( دبَّ إليْكم داءُ الأممِ قبلَكم الحسدُ والبغضاءُ هيَ الحالقةُ لا أقولُ تحلقُ الشَّعرَ ولَكن تحلِقُ الدِّينَ والَّذي نفسي بيدِهِ لا تدخلوا الجنَّةَ حتَّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتَّى تحابُّوا أفلا أنبِّئُكم بما يثبِّتُ ذلِكَ لَكم أفشوا السَّلامَ بينَكم)). أخرجه: الإمام أحمد و الترمذي و الضياء. أنظر: صحيح الجامع (3361) و السلسلة الصحيحة (680) وصحيح الترمذي (2510 ).
ولذلك نستطيع القول أننا أولى في نشر رسالة التسامح والمحبة وبثها بين الأمم ، خاصة في ظل الهجمة الاعلامية على العالم العربي والإسلامي والذي يتم وصفه بالتخلف والرجعية والإرهاب والتطرف .
مفهوم التسامح لغةً واصطلاحًا
تشتق كلمتا “تسامَح” و”تسامُح” من الجذع الثلاثي (سمح) الذي يحمل في طياته التحمل والمعاناة والتكبد والصبر. وتأتي أيضاً:
- سمَحَ/ سمَحَ لـ يَسمَح ، سَمْحًا وسماحًا وسماحةً ، فهو سامِح ، والمفعول مسموحٌ له
- سمَحالشَّخصُ : لان وسهُل
- سمَحالشَّخصُ : انقاد بعد استصعاب
- سمَحالشَّخصُ : جاد وأعطى عن كرم وسَخاء
- عندهسماحة نَفْس : كرم وسخاء ، قال الرسول الكريم “رَحِمَ اللهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى ( صدق رسول الله )
- سمَحله بحاجة : وافق عليها ، ويسّرها له
- سَمَحَالعودُ : استوَى وتَجرَّدَ من العُقَدِ
وتشمل المفردات اليونانية القديمة التي تكون قد أثرت أيضًا على التفكير الفلسفي حول التسامح كلمات phoretos وتعني المحتمل وما يمكن تحمله
و phoreo وتعني بالحرف ما يُحمَل
و anektikos وتعني المحمول وما يُطاق
والمقبول و anexoوتعني فعل الحمل.
يُعرف لغةً بأنه السلامة والسهولة، والسماح هو الجود فنقول: سمح به أي جاد به، أما اصطلاحًا فهو المقدرة على العفو والصفح عن الآخرين دون إيذائهم أو الإضرار بهم.
أهمية التسامح
التسامح قيمة أخلاقية تساعد على بناء المجتمع لذلك فإن له أهمية واضحة تتمثل في:
- يستبدل مشاعر الحقد والكراهية والانتقام والحزن بمشاعر أخرى مثل السعادة والفرح والتي تجعل الفرد يتعامل مع المواقف بإيجابية أكبر.
- يستطيع الإنسان أن يتفهم معنى التعاون المشترك في المجتمع فيصل معها إلى الراحة النفسية والاستقرار الداخلي.
- الإنسان المتسامح إنسان محبوب في مجتمعه ويجعل كل من حوله يهتمون لرأيه ويستمعون له، وبعدها تصبح حياته خالية من المشاكل والصراعات المزعجة.
- ينال المسلم رضا الله عز وجل ويكسب الثواب والجزاء من خلال الصفح عن الناس.
- يعتبر الشخص المتسامح من أقوى الأشخاص في مجتمعه لأن هذه الخصلة النبيلة تحتاج إنسانًا واثقًا من نفسه ولديه قدرة على استيعاب اختلاف الآخرين.
- يساعد على حفظ الذات البشرية وحقن الدماء من خلال مجموعة من التعاليم الإسلامية التي يسعى إلى تحقيقها.
- العفو عن الناس يعطيهم فرصة للتغير والقدرة على إصلاح أخطائهم.
- يشحن الإنسان بالطاقة الإيجابية حيث أن الطاقة السلبية تقوض قدرة الإنسان على التفاعل مع مجتمعه وأفراده.
- يسهم في نشر الدين الإسلامي وتعريف غير المسلمين بروح الإسلام الحقيقية بعيدًا عن الشوائب والأفكار الهدامة التي التصقت به.
أثر التسامح على الصحة البدنية
- أشارت الدراسات التي نُشرت في مجلة الطب السلوكي في الولايات المتحدة أن الأشخاص الذين يبادرون إلى التسامح غير المشروط يعيشون عمرًا أطول من الأشخاص الذين ينتظرون اعتذارًا من الآخرين.
- يلعب دورًا هامًا في السيطرة والتحكم بمشاعر الغضب وارتفاع ضغط الدم وتسارع معدل نبضات القلب.
- كما أظهرت الدراسات أن الأشخاص الأكثر تسامحًا يرتفع عندهم المستوى المناعي في الجسم.
- يساعد على الحد من مسببات الكآبة والأرق.
- وهو من الأمور التي تقوي الجهاز المناعي، وتقلل نسبة تلف خلايا الدماغ العصبيّة.
أثر التسامح على المجتمع
تظهر أهميّة التسامح جليّة في العديد من جوانب الحياة المختلفة
- حيث يزيد التكافل بين أفراد المجتمع.
- تقوية العلاقات الاجتماعيّة.
- يقلل نسبة العصبيّة والتوتر التي تؤدي إلى انتشار الجريمة والعنف في المجتمع.
- بالإضافة إلى أنّه يبني المجتمع، ويجعله يزدهر من خلال فتح آفاق السعادة والحبّ بين الأفراد.
- يبعث على الشعور بالسعادة.
- يزيد تحضر المجتمع ويوحده.
- ترفع صاحبها لأعلى المراتب.
- كما أنّه من الأعمال التي يؤجر الإنسان على فعلها كونها تنقي القلوب.