التقنيات تقود العالم وتغيره
شيماء المرزوقي
مؤكد أن بعضنا سمع بمصطلحات حديثة دخلت على القاموس الاجتماعي والتربوي، مثل جيل الشاشة أو جيل التقنية أو التنشئة الإلكترونية أو الجيل الرقمي، وهذه المسميات أو غيرها، تعطي دلالة لحالة اجتماعية عامة تكسو العالم برمته، تريد تصنيف فئات بشرية توجهت نحو تقنية الاتصالات الحديثة بشكل واضح وهذا التوجه تبعه اعتماد كلي وتام، بعضهم يصنف هذا الجيل من بداية الثمانينات وحتى نهايات التسعينات، لكن الأطفال الذين كان ميلادهم مع بداية الألفية وأعمار بعضهم الآن نحو ثمانية عشر عاماً، هؤلاء لا يعتبرون جيل التقنية الحديثة، بل جزء منها ومن مكوناتها ومن آلية عملها.
يقول دون تابسكوت، مؤلف كتاب التنشئة الرقمية: «إن الطالب في هذه الأيام يتعرض لثلاثين ألف ساعة من المعلومات الرقمية عند بلوغه سن العشرين عاماً». وهذه ساعات طويلة بكل ما تعني الكلمة، ولكن لها دلالة واضحة وهي أن الاعتماد على التقنيات الاتصالية الحديثة التي ترتبط بشبكة الإنترنت والهواتف الذكية باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة، فلم تعد ترفاً أو حاجة محددة بزمن ما أو بوقت ما، وإنما باتت ممارسة حياتية واضحة لا تخطئها العين.
تبعاً لمثل هذا الواقع أظهرت دراسات علمية أن هناك اعتماداً متزايداً على العالم الرقمي في استعادة المعلومات عند الحاجة، وأن مثل هذه الاعتمادية سيكون لها تأثير في الذاكرة البشرية وقوة العقل بصفة عامة، حيث كان واضحاً أن هناك نسباً كبيرة تعتمد على ما يتم تخزينه من معلومات على هواتفهم الذكية، أو اللجوء لمواقع البحث عند طلب معلومات بديهية وعادية، فبضغطة زر يستحضر الشخص ما يحتاجه من معلومات وإن كانت معلومة متواضعة وسهلة الحفظ.
لفهم أثر المعلوماتية الحديثة في عقول النشء، يمكننا جميعاً التفكير بالحالة التي نعيشها اليوم وكيف نعتمد على هواتفنا الذكية في إدارة حياتنا العملية الوظيفية وحياتنا الاجتماعية، فنحن ندون على هذه الهواتف كل شيء، ونحفظ فيها الصور والمعلومات ونعود إليها وقت الحاجة، حتى خاصية التذكير في الهواتف باتت سهلة، وبالتالي فإن حتى مناسباتنا الخاصة والتي كانت جزءاً من تفكيرنا ويومنا بتنا نربطها بالتذكير الآلي.. دون شك فإن الأجيال التي ولدت وسط خضم هذه المعلوماتية ستتأثر بشكل أعمق في الوقت الذي ستتطور فيه التقنيات بشكل لا يمكن توقعه، للدرجة التي ستوصف فيها الأجهزة الحالية بأنها بدائية ومتواضعة. الذي نصل إليه أن العالم يتغير بشكل واضح والبشرية أيضاً تتغير، والمهم أن يكون هذا التغير إيجابياً.
Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com
