التلميذ والدرس
خيري منصور
استعرت هذا العنوان من الروائي والشاعر مالك حداد الذي كان يكتب بالفرنسية، وأطلق عبارته الشهيرة التي قال فيها: «إن اللغة الفرنسية منفاه أما وطنه فهو الأبجدية».
وكلمة الدّرس لها دلالات أوسع وأعمق مما يتصور البعض حين يجعلونها مقترنة بحصة في مدرسة. وربما لهذا السبب اختارها مبدعون من طراز مالك حداد ويوجين يونسكو، لتعبر عن الحياة بكل ما تزخر به من آلام وآمال وتجارب، لكن أطرف استخدام لهذه الكلمة قدمه كاتب إيرلندي حين سئل عن أهم مرجعياته في الكتابة، فأجاب: بريد قرائي أولاً، ثم يأتي الفلاسفة والشعراء والمؤرخون!
وقد يبدو هذا الاعتراف بفضل القارئ أو المرسل إليه على الكاتب أو المرسل من باب التواضع المفتعل، لكن الحقيقة ليست كذلك، فالقارئ شريك في الكتابة ذاتها، ويقتسم مع الكاتب الشهيق والزفير من خلال رئتيه، لهذا كتب جاك روسلو وهو غير الفيلسوف المعروف جان جاك روسو عن تجربته في القراءة، وقال، إن هناك كتّاباً أخذوا عنه الحمولة الباهظة التي تنوء بها ذاكرته، ومنهم من ساعده على دفن أبيه، وشاركه في استخدام الفأس في حديقة بيته.
الدرس هنا يأتي من القارئ الذي يبحث عمن يترجم صمته ويشاطره الشجن والشغف، لأن هناك دمعة لا تتسع لها العين، وابتسامة تفيض عن مساحة الشفتين!
والقراءة حين تكون درساً تتجاوز التلقي السلبي أو الاستهلاك، لتصبح مشاركة في الإنتاج، وأدق تعبير عن ذلك، هو أن الكتابة والقراءة طرفان في رقصة التانغو التي لا يمكن لفرد واحد أن يرقصها بمفردة، إلا إذا رقص مع ظله أو أمام المرايا!!
والكتّاب الذين استخفوا بالقراء، سرعان ما دفعوا الثمن ليس بالهجران والقطيعة وربما الطلاق البائن فقط، بل من خلال إعادة الرسائل إلى من أرسلها، لأنه حين كتبها لم يفكر بأي كائن آخر غير ذاته، فكانت مجرد «مونولوج»، وحبذا لو تهتم دور النشر والمؤسسات المعنية بالقراءة بعدد من الكتب التي كرّسها مؤلفوها لفن القراءة ومن أبرزها كتابان لالبرتو مانغويل هما تاريخ القراءة ويومياتها!