التوقيع الأوّل ليس الأخير
عبد اللطيف الزبيدي
قلت للقلم: هل لديك أفكار جديدة، غير ردود الفعل المألوفة كلما حدثت للعرب مأساة؟ قال: الأفكار الجديدة لا أهمية لها، إذا لم تجد طريقها إلى التطبيق.لقد كانت فكرة إنشاء الجامعة العربية جديدة قبل سبعين سنة، فماذا كان مآلها؟ أليس طرح تكتل عربيّ مثيراً للعجب اليوم؟ سيجيبونك بالمنطق: هل تريد تكرار تجربة فاشلة؟ بينما في ألمانيا الآن دعوة إلى تأسيس «الولايات المتحدة الأوروبية» سنة 2025.
قلت: ما يشغلني هو أن العالم العربيّ ليس لديه إحساس بالزمن.لم يدرك أن التوقيع على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، فكرة طرحت قبل عشرين سنة، ما يعني أن التمهيد احتاج عقدين من العمل الاستراتيجيّ، إلى أن صارت الظروف ملائمة، وبات لكل دولة عربية براغيثها المؤرقة: تضييع الوقت على الفلسطينيين بالمفاوضات الفاضية، تقسيمهم إلى عشرات الفصائل، تدمير الجيوش والبلدان قبل الربيع الخِرَبيّ وبعده، تقطيع أوصال الجامعة، تكثير الدول الفاشلة، تفتيت محاولات التكامل، محو الدفاع المشترك من الأذهان، تحويل الأفكار الوحدوية إلى مضحكة، تشويه الهويتين العربية والإسلامية، تصوير الشباب وكأنه بؤرة التطرف والعنف في العالم وألف إلخ. من كل هذه المقدمة الطويلة لم يستفزّ الأنظمة والشعوب غير السطر الأخير، نقل السفارة، مع مدلوله؟ أستبعد إدراك الناس أن نهاية التمهيد هي بداية جوهر الموضوع.
قال: إن المخيف هو تمادي النظام العربيّ في عدم الإحساس بالزمن.نحن الآن أمام منعطف تاريخي. لا مبالاة البعض منفردين، وشلل الجامعة مجتمعة يشبه المحكوم عليه بأن تجرّه خيول من أطرافه في اتجاهات مختلفة، يتمزق.لكن، ههنا الأهم، وهو خطأ تفكير المخططات، فتفرّق الأنظمة لا يعني تشتّت الشعوب، فالقضية عندها هي القضية، والقدس هي القدس والأقصى هو الأقصى. هبهم هدموا المسجد كمبنى، فهل يقدرون على هدم الإيمان بالقبلة والمسرى؟ هذه هي الصخرة الوجودية التي ستنطحها ثيران المؤامرات. على النظام العربيّ أن يدرك، حفاظاً على استقرار ما تبقى من أمن الأوطان، أن ارتباط الجانب السياسيّ من القضية بموازين القوى وإملاءاتها، لا يساوي ذرة في ميزان القوة الإيمانية التي ستتحول عاجلاً أم آجلاً إلى شمس هيدروجينية.
قلت: هنا سخرية التاريخ التي غابت عن حماقة الذين اختلقوا «داعش» وأخواتها لتدمير البلدان وتشويه الهويتين العربية والإسلامية. لم يخطر ببالهم، لو انبرت لهم غيرة مئات الملايين على القبلة والمسرى والقضية العادلة، التي دنستها الدسائس والجرائم الدولية على مرّ السنين.
لزوم ما يلزم: النتيجة التطابقية: ترامب هو الموقع أدناه، والإيمان بالقضية الحق هو الموقّع الأعلى والأخير.
abuzzabaed@gmail.com